.. يستعمله الافارقة جنوب الصحراء/ مخدر من طحين عظام بشرية...ما حقيقته؟

 .. يستعمله الافارقة جنوب الصحراء/ مخدر من طحين عظام بشرية...ما حقيقته؟

بقدر ما كان للعلم والثقافة أثر بارز في حياة الإنسان وتطوره على مر العصور فإن العقود الأخيرة التي شهدت تراكماً علمياً ضخماً شمل كل مناحي الحياة، شهدت أيضاً تراجعاً نحو الخرافة والأسطورة وغرائب الأشياء.

وفي عصر التكنولوجيا والعقلانية راجت أنواع كثيرة من المخدرات، فيخرج إلى الضوء منها جديد كل فترة وأسماء عدة تطلق على المنتجات الجديدة في أنحاء أفريقيا ومناطق أخرى من العالم، منها "سبايس" و "زايلازين" و "الجوكر" و "كيلوبترا" و "الأنبوب الأبيض"، وهو خليط من الـ "ميثاكوالون" والقنب الهندي والتبغ في جنوب أفريقيا، وغيرها كثير. وعندما تخضع مكونات هذه المخدرات للتحليل المختبري يتوصل إلى محتوياتها التي لا تخرج عن المواد المخدرة المعروفة سواء كانت طبيعية أو صناعية أو خليطاً من طريق مزج أعشاب معينة بمواد كيماوية مصنعة.

ودقت مجتمعات منطقة غرب أفريقيا وأجزاء أخرى من القارة السمراء ناقوس الخطر في شأن انتشار نوع جديد من المخدرات يطلق عليه اسم "كوش" وخصوصاً في سيراليون، ويقال إنه يحوي عظاماً بشرية ويقتل عشرات الأشخاص كل أسبوع، ولأن المخدر يتسبب في أن يتحول متعاطيه إلى شخص منوم ومجرد من الوعي لا يدرك ما يحدث له إذا سقط أو آذى نفسه، فأطلق عليه اسم "الزومبي" أو الموتى الأحياء.

ويتكون هذا المخدر من خليط من المواد الكيماوية وهي القنب الهندي ومادتي الـ "فينتانيل" و الـ "ترامادول" وهي مادة أفيونية صناعية، وكذلك الـ "فورمالين" وهي مادة كيماوية تستخدم في معظم الأحيان للحفاظ على أجساد البشر، إضافة إلى  الـ "فورمالديهايد"، وقد أصبح شائعاً في تلك المنطقة التي تعاني مشكلات اقتصادية جمة لأنه ميسور الكلفة ومتاح على نطاق واسع.

مكونات المركب

وعن مصادر المواد المكونة لمخدر "كوش" قال موقع "ذا كونفرسيشن" إنه "بينما يزرع القنب الهندي على نطاق واسع في سيراليون فإن الـ ’فينتانيل‘ يأتي من مختبرات سرية في الصين، إذ يصنع الدواء بصورة غير قانونية ويشحن إلى غرب أفريقيا، وللـ ’ترامادول‘ مصدر مماثل وهو المختبرات غير القانونية في مختلف أنحاء آسيا، كما يوجد في هذا الخليط مادة الـ ’فورمالديهايد‘ التي يمكن أن تسبب الهلوسة".

وفي ما يتعلق بالعظام البشرية المطحونة أضاف الموقع أنه "لا توجد إجابة محددة حول ما إذا كانت العظام البشرية موجودة في المركب أم لا، ومن أين تأتي هذه العظام أو لماذا تدمج في الدواء، ومع أن هناك روايات تقول إن لصوص القبور يوفرون العظام، لكن لا يوجد دليل مباشر على ذلك".

من جانبها أشارت صحيفة "غارديان" إلى أن "قطعة واحدة من مخدر كوش يمكن أن تبلغ كلفتها حوالى ربع دولار أميركي، وهو مبلغ يمكن أن يرتفع بسرعة عند شراء قطع عدة يومياً في بلد تبلغ فيه معدلات البطالة بين الشباب 60 في المئة، وتعد البطالة في سيراليون واحدة من أعلى المعدلات في غرب أفريقيا".

وذكرت الصحيفة على لسان منسقة برنامج مركز إعادة التأهيل في فريتاون أوغوستا جوني أن "هناك زيادة كبيرة في استخدام المخدر خلال الأعوام الخمسة الماضية، مما يشير إلى أنها تبدو عملاً مربحاً، ولكن لا أحد يدري من المستفيد منها في نهاية المطاف".

أسماء جذابة

وقال استشاري طب السموم السريري محمد الأمين إن "مركب كوش موجود حالياً في منطقة غرب أفريقيا مثل سيراليون، وأيضاً هناك منتج بالاسم نفسه موجود في الولايات المتحدة"، وأشار إلى أن "بعض المؤثرات العقلية لديها أسماء جذابة لأغراض التسويق، ولكن ليس كل مركب بالاسم نفسه يحوي المكونات الكيماوية ذاتها، مما يعد مهماً في مكافحة المؤثرات العقلية والمخدرات لأن كثيراً من المتعاطين الذين يتحصلون عليها يشترونها بوصفها مركباً واحداً بينما تختلف حتى في درجة تركيزها من مركب إلى آخر بحسب الجودة".

ورأت صحيفة "نيوزويك" أنه "يمكن أن تختلف مكونات مخدر كوش بين منطقة وأخرى، وهناك أنواع كثيرة من المخدرات تنتشر بأسماء مساحيق تجميل أو مواد النظافة الشخصية كأملاح الاستحمام كنوع من التمويه، لذلك فقد يطلق الاسم بعد أن ذاع صيته على مركبات أخرى".

وأضاف الأمين أنه "غالباً لا تكون لدى المتعاطي فكرة عن المكونات الحقيقية لأنه ليس هناك ضبط جودة وليس مثل المنتجات الأخرى التي تكون مكوناتها معروفة وبمقادير معينة لأنها في الأساس تصنع بطريقة غير قانونية وغير منضبطة، وهي تحمل كثيراً من الأخطار الوخيمة التي من الممكن أن تؤدي إلى الإدمان أو الوفاة".

ولفت استشاري طب السموم السريري إلى أن "مكونات كوش قد تكون أتت من مصادر خارج المنطقة لأن الإنترنت سهل الترويج والحصول عليها من أي مكان"،  وتابع أن "المكونات الأساس لمخدر كوش هي القنب الهندي أو الحشيش ويمكن زراعته، والـ ’فينتانيل‘ من المركبات الأفيونية الاصطناعية ويستخدم بصورة مقننة كمسكن للآلام المزمنة لمرضى السرطان، ولديه آثار جانبية خطرة كأن يسبب الإدمان، أو في حال الاستخدام الخاطئ يسبب توقف الجهاز التنفسي، وانخفاض معدل الوعي والوفاة ويعتمد ذلك على درجة التحمل التي تختلف من شخص إلى آخر، وهو من أكثر الأنواع التي انتشرت في سوق الإدمان خصوصاً الولايات المتحدة، أما الـ ’ترامادول‘ فهو مسكن اصطناعي شبيه بالـ ’أفيونيات‘ والـ ’فورمالدهايد‘ مذيب كيماوي ومنه الـ ’فورمالين‘ الذي يستخدم لحفظ الأنسجة والجثث في المشارح والأنسجة المريضة وله درجة من السمية".

وأوضح أن "الـ ’ترامادول‘ والـ ’فينتانيل‘ يسببان المشكلات نفسها في الجهاز التنفسي والتأثير في درجة الوعي والإدمان والتشنجات، وكذلك الـ ’فورمالديهايد‘ يسبب التشنجات، ويمكن أن يسبب التقرحات إذا كان عالي التركيز لأنه مركب حارق"، مرجحاً أن يكون قد استخدم في عقار "كوش" كمذيب للمكونات المختلفة.

هالة الغرابة

وأثارت مسألة إضافة العظام البشرية المطحونة إلى مخدر "كوش" كثيراً من الاستفهامات، فقد أورد موقع "ذا كونفرسيشن" أن "بعضهم يعتقد أن محتوى الكبريت في العظام مرتفع، وقد يكون السبب الآخر محتوى المخدرات في العظام نفسها، إذا كان المتوفي من مستخدمي الـ ’فينتانيل‘ أو الـ ’ترامادول‘ ومع ذلك فكلاهما أسباب غير محتملة، لأن مستويات الكبريت في العظام ليست عالية. وقد يؤدي تدخين الكبريت إلى إنتاج ثاني أكسيد الكبريت شديد السمية واستنشاقه، كما أن أي محتوى دوائي في العظام يكون أقل من المستوى المطلوب لإحداث تأثير فيزيولوجي".

أما استشاري طب السموم السريري محمد الأمين فأفاد بهذا الخصوص "بما أن وجود عظام بشرية مطحونة في هذا المركب لم تثبت بصورة قاطعة، فإنها قد تكون إما أضيفت فعلاً، وفي هذه الحال فلن يكون لها تأثير علمي يذكر أو أنها لم تضف، ولكن يستخدم هذا الزعم لإضفاء نوع من الغرابة وهالة بغرض الدعاية والترويج للمنتج"، مضيفاً أنه "في الحالين فإن ورود ذلك في منطقة مشهورة بالسحر والشعوذة، وترتبط بمعتقدات تتعلق بأن تعاطي هذه المادة أو غيرها ستمنح الشخص قوة أو حالاً نفسية أو وجدانية مختلفة"، وواصل "إذا أحس المتعاطي بأي تأثير مثل التشنجات أو الهذيان والهلوسات، فإنه لن يكون على علم بأنها من آثار الـ ’فينتانيل‘ أو الـ ’ترامادول‘ ويظن أنها من العظام البشرية، خصوصاً إذا كانت معها هلوسات من النوع الذي يمكن أن يرى فيها أجداده أو أسلافه أو يظن أنه يكشف له حجاب بعض الغيبيات".

استعداد نفسي

وفي السياق ذاته ذكرت الاختصاصية الاجتماعية علياء مدني "أن استخدام العظام البشرية منتشر في أفريقيا في التعويذات السحرية والطلاسم، ابتداء من الجماجم وعظام الأكتاف وغيرها، وهو ما يجعل الزج بها في المخدرات لاعتقاد المسوقين بأنها تنشط المخدر مثلما تنشط السحر وتفعله"، ولكن اختصاصية الصحة النفسية نجلاء عبدالحميد قالت إن "إضافة العظام المطحونة سواء كانت بشرية أو حيوانية يقلل من تأثير المخدر لأن نسبتها المضافة تطغى على المركبات الأخرى، فمن ناحية تجارية يمكن أن تزيد وزن المخدر ويبيع المروج كمية كبيرة منه ويحقق أرباحاً هائلة، لأن المركبات الكيماوية الخام مرتفعة السعر"، وأضافت عبدالحميد أنه "على رغم تقليل تأثير المخدر بإضافة العظام المطحونة، إلا أن المتعاطي يكون على استعداد نفسي للتأثر بالجرعة كما لو أنها كانت صافية لاعتقاده أن للعظام مفعولاً إضافياً عليها".

المصدر: اندبندنت عربي

التعليقات

علِّق