تونس مجددا أمام مجلس حقوق الإنسان: هل تلتزم تونس وتنفذ تعهداتها الدولية؟
ورد علينا البيان التالي :
بعد أن استعرضت تونس تقريرها الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان في 8 نوفمبر 2022، تمّ نقاشها وتقديم التوصيات لها من قبل 112 دولة فيما مجمله 283 توصيّة. وتفاعلت تونس إيجابيا مع 185 توصية، وأجلت الإجابة عن موقفها من 44 توصية وأعلنت أنها أحيطت علما بـ 54 توصية قد تتفاعل معها يوما أو قد تبقيها على ماهي عليه.
والملاحظ أن التوصيات التي قدمت إلى تونس من قبل الـ 113 دولة من مختلف المجموعات السياسية والثقافية والجغرافية قد غطت كل مجالات حقوق الإنسان.
حيث أعربت عديد الدول عن الانشغال فيها يتعلّق بالحالة السياسية وتأثيرها على حقوق الإنسان. إلا أن الدول التي توجهت لتونس بتوصيات لم تكتفي بالوضع الراهن في تونس بل قدمت توصياتها في جميع المجالات: الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق البيئية والحقوق في التنمية إلى جانب حقوق مختلف المجموعات المميّز ضدها.
وفي 24 مارس 2023 قدمت تونس موقفها من التوصيات ال 283 حيث قبلت بصفة نهائية 192 منها وأحيطت علما بـ 91 توصية.
حرية التعبير:
تمت الموافقة على 13 توصية متعلقة بحرية التعبير والصحافة من قبل الدولة التونسية، تتعلق بالحفاظ ودعم الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري والمرسوم القانوني رقم 2011-115 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر. ولُفت الانتباه إلى ثلاث توصيات تتعلق بوقف متابعة الصحفيين والناشطات في مجال حقوق الإنسان على أساس القانون رقم 2022-54 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 المتعلق بمكافحة جرائم تتعلق بأنظمة المعلومات والاتصالات ومواد القانون الجنائي.
في استقلال القضاء:
تلقت تونس أثناء الاستعراض الدوري الشامل 30 توصيّة تعلقت باستقلالية القضاء قبلت 17 منها، وأرجأت موقفها من 12 توصية وأعلنت أنها توصلت فقط بتوصية واحدة. وبالنظر في هذه التوصيات نلاحظ أن التوصيات المقبولة بصفة أوّلية تعلقت بتوصيات عامة حول دعم استقلال القضاء وإرساء المحكمة الدستورية، وإقرار حماية القضاة عبر تبني نظام أساسي خاص بهم. ودعم الإعانة العدلية.
أمّا التوصيات التي أرجأت تونس الإجابة عنها فتتعلق كلّها بالقضاء العسكري ودوره في محاكمة المدنيين بما في ذلك الإعلاميين والإعلاميات والمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان.
بينما لم تجب تونس عن توصية واحدة تقدمت بها مملكة بلجيكا تتعلّق بإعادة المجلس الأعلى للقضاء السابق المجلس " الشرعي" في 12 فيفري 2022.
حرية التنظّم والتظاهر:
توصلت تونس ب08 توصيات حول حرية الجمعيات والتي تناولت التضييقات التي تتعرض لها الجمعيات عند التكوين وعند ممارسة بعض أنشطتها، وكذلك تعقيدات الوصول الى التمويل. كما تناولت المداخلات التهديدات الحكومية بتغيير قانون الجمعيات (المرسوم 88) و الذي تتمسك به الجمعيات نظرا لطابعه التحرري ولمطابقته لكل المعايير الدولية
كما تلقت تونس توصيات حول التضييقات التي يواجهها الناشطون والناشطات السياسيون/يات والمدنيون /يات خلال مشاركتهم في مظاهرات سلمية ومرخص لها، والإيقافات التعسفية التي يتعرض لها المتظاهرون /ات.
الحق في الصحة:
تتلخص التوصيات في توسيع التغطية الصحية للملايين من الأشخاص غير المنخرطين بمنظومة التأمين الصحي، ومن بين هؤلاء العاطلين عن العمل والشباب والمهاجرين و الحد من عدم المساواة في توزيع الأطباء المتخصصين بين الجهات وضمان استمرارية توفر الأدوية الأساسية لجميع المواطنين.
صحة الأم وحقوق الصحة الجنسية والإنجابية:
إعادة تنشيط البرنامج الوطني للصحة الجنسية والإنجابية الذي شهد تدهورًا في أدائه خلال العشر سنوات الماضية. تطوير المهارات التقنية والاتصالية وتقييم الموظفين( DSSB و ONFP ) على أساس الأداء؛ ضمان الوصول إلى مجموعة كبيرة من وسائل منع الحمل، بالإضافة إلى الإجهاض الدوائي؛ دمج التثقيف الجنسي في قطاع التعليم عن طريق إصدار أوامر من الدولة
القضاء على أي شكل من أشكال التمييز والتشويه بحق الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، وضمان التزويد المستمر بمضادات الفيروسات، بما في ذلك الأدوية المخصصة للأطفال
يجب إلغاء الفصل والذي يمثل انتهاك للحقوق الفردية والسلامة الجسدية والأخلاقية والكرامة و ينبغي أيضاً منع اختبارات العذرية دون موافقة الشخص المعني، وتشمل ذلك ملاحظات حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي.
في الحقوق الثقافية والبيئية:
لم ترد على تونس توصيات تتعلق بصفة حصرية وخاصة بالحقوق الثقافية و الفنية بل ورد الحق في الثقافة ضمن جملة من 5 توصيات تتعلق بتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية بطريقة شاملة مع غياب عامل التحديد. وقد دعت توصيتان إلى المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفيما يتعلق بالحقوق البيئية، تلقت تونس ثلاث توصيات قبلتها جميعها، بما فيها دعوة تونس إلى تعزيز الحصول على الماء الصالح للشراب ، تعزيز النظام القانوني والمؤسساتي لحماية البيئة، وإدراج تغير المناخ والحقوق البيئية في مناهج حقوق الإنسان للأطفال والبالغين.
في التمييز ضد النساء:
وردت على تونس أثناء استعراضها الدّوري الشامل 34 توصية قبلت تونس منها 28، وأرجأت الإجابة عن واحدة وأحيطت علما بـ5 منها، والملاحظ أن هذه التوصيات وردت من قبل 30 دولة من مختلف أنحاء العالم. وهو ما يؤكد مدى اهتمام الدّول بوضعية حقوق النساء في تونس.
وردت على تونس مجموعة من التوصيات تحثّها على القضاء على التمييز ضد النساء وعلى العنف المسلط عليهنّ، وتحقيق تساوي الفرص بين النساء والرّجال. والملاحظ أن تونس قد قبلت كل هذه التوصيّات والتي جاءت عامّة تحثها على منع التمييز ضد النساء والقضاء على العنف ضدهن وتحقيق المساواة في الفرص.
في الحقوق المدنية والسياسيّة:
توصلت تونس بـ6 توصيات تتعلّق بالحقوق السياسية للنساء. وتعلّقت هذه التوصيات كلّها بدعم مشاركة النساء في الحياة العامة بما فيها المشاركة السياسية للنساء من حيث التمثيل البرلماني لهن وفي مناصب اتخاذ القرار.
في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للنساء: وردت على تونس 5 توصيات تتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قبلتها تونس جميعها.وتتمحور هذه التوصيات أساسا حول دعم/ دفع الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية للنساء. مع التركيز على النساء في الوسط الرّيفي وحماية النساء من العنف الزوجي.
في تحفظ تونس على المساواة التّامة والفعليّة: ما لاحظناه هو عدم تجاوب تونس مع كل التوصيّات التي من شأنها تحقيق المساواة التاّمة والفعلية بين النساء والرّجال سواء في المساواة في الميراث أو في المساواة بين الزوجين.
عدم التمييز على أساس الميول الجنسي والهويّة والتّعبيرات الجندريّة:
وجهت لتونس 20 توصية مباشرة حول عدم التمييز على أساس الميول الجنسي والهوية والتعبيرات الجندرية. والملاحظ أن تونس قبلت منها 3 فقط وأحيطت علما بـ17 توصية.
قبلت تونس توصية كندا (عدد 6.183) المتعلقة "بالقضاء على كل الممارسات التمييزية المؤسسة على الميول الجنسية والهوية الجندرية". وقبلت توصية آيسلاندا (عدد 6.184) بخصوص "معاقبة كل جريمة كراهية مبنية على الميول الجنسي والهوية والتعبيرات الجندرية". إلا أن قبول تونس بهذه التوصية يتعارض مع " تحفظها" على توصيات عديدة أخرى قدمت لها تتعلق أساسا بإلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية. (حيث وردت على تونس 13 توصية تتعلق صراحة بإلغاء هذا الفصل.
بشأن التمييز/ العنف القائم على لون البشرة والجنسية:
بشكل عام، تم توجيه 14 توصية بخصوص عدم التمييز بناءً على التمييز / العنف القائم على لون البشرة والجنسية مباشرة إلى تونس، لكن هذه الأخيرة قبلت فقط 5 منها وأخذت علمًا بـ 9 توصيات، بينما لم يتم تقييم 3 توصيات فقط.
قبلت تونس توصيات بشأن "تنفيذ الأحكام القانونية الحالية التي تحظر التمييز العنصري بالكامل والفعال"، وتوصية بشأن "إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة التمييز العنصري"، و توصية بشأن "توفير الموارد اللازمة للجنة الوطنية لمكافحة التمييز العنصري لضمان عملها الجيد"، وتوصية بشأن "مواصلة تعزيز عمل اللجنة الوطنية لمكافحة التمييز العنصري لتحقيق التزامات إعلان دوربان وبرنامج العمل"، وتوصية بشأن "اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ القانون الأساسي 2018-50 المتعلق بمكافحة التمييز العنصري بشكل كامل، بما في ذلك إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة التمييز العنصري".
جرى النظر في جميع التوصيات المتعلقة باتباع استراتيجية وطنية أكثر شمولية للسكان المهاجرين، بما في ذلك اعتماد قانون لجوء، بتحفظات، بما في ذلك تلك المتعلقة بالقضاء على إنعدام الجنسية من خلال ضمان منح تسجيل الولادات لجميع الأطفال في تونس، بما في ذلك المهاجرين واللاجئين (Eswatini n°7.43). وللأسف، لم يتم اتخاذ أي إجراء بشأن جميع التوصيات المتعلقة بالتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، بل تم تدوينها دون متابعة.
التوصيات بالعودة إلى المسار الديمقراطي:
عديدة هي التوصيّات التي جاءت من عديد الدول لعودة المسار الديمقراطي (20 توصية): سواء من خلال إنهاء حالة الاستثناء والطوارئ (توصية كندا عدد 7.13). ومن خلال إرساء المحكمة الدستورية والهيئات الديمقراطية.
ما يلفت النظر هو التفاعل الايجابي للدولة التونسية (بصفة أولية) مع هذه التوصيات. ذلك أن الدولة التونسية قبلت أغلب التوصيات المتعلقة بإرساء المؤسسات الديمقراطية بما في ذلك المحكمة الدستورية.
الى جانب التوصيات العامة تلقت تونس توصيات تفصيلية للعودة إلى المسار الديمقراطي تعلقت بالانتخابات ووجوب استجابتها للقواعد المتفق عليها دوليا. وإرساء نظام قائم على فصل السلط والتوازن بينها. وكذلك باستقلال القضاء عموما وخاصة المجلس الاعلى للقضاء، حيث قبلت تونس 17 توصية تتعلّق بوجوب إرساء مجلس أعلى مستقل يضمن استقلال السلطة القضائية.
دعوة تونس للمصادقة على اتفاقيات حقوق الإنسان:
تلقت تونس مجموعة 15 توصية تدعوها إلى المصادقة أو الانضمام إلى معاهدات ونصوص دولية متعلقة بحقوق الإنسان. هذه التوصيات حوصلتها دولة مالاوي في توصيتها عدد 7.6 بالقول " الدعوة إلى المصادقة التدرجيّة على الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان". إلا أن عديد الدّول (25 دولة) ركّزت على معاهدات بعينها: تتمثل خاصة:
في الاتفاقيات الداعمة لحقوق النساء، وخاصة اتفاقية اسطنبول حول العنف المنزلي، (اتفاقية مجلس أوروبا) وكذلك الاتفاقية عدد 190 لمنظمة العمل الدولي، لسنة 2019 المتعلقة بالعنف والتحرش في أماكن العمل، هذه التوصيات أكدّت عليها أغلب الدول في توصياتها.
التوصيات المتعلقة بالهجرة وحق اللّجوء:
وردت التوصيات المتعلقة بالهجرة واللجوء من عديد الدول وخاصة الإفريقية، وهو ما يعكس أيضا حرص الدول الإفريقية على توفير أكبر الضمانات لمواطنيها الذين يهاجرون إلى تونس إمّا للعمل والدراسة او فقط كبلد عبور نحو دول أوروبا الشمالية. فكانت التوصيات أساسا بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمّال المهاجرين وأفراد عائلاتهم.
في المصادقة على الاتفاقيات المتعلقة بمنع الاتجار في الأسلحة ومنع انتشار الأسلحة النووية: جاءت هذه التوصية من دولة المالاوي، (7.5). وهي توصية هامة، خاصة وأن تونس ليست من الدول ذات التوجهات العسكرية وأن سياستها الخارجية تتميز دائما بمراقفها السلميّة ولذا ليس من المعقول ألاّ تنخرط في مثل هذه الاتفاقيات.
اتفاقية حقوق الشعوب الأصلية، لمنظمة العمل الدولية عدد 169 لقد توجهت الدنمارك بهذه التوصية (عدد 8.9) هذه التوصية والتي لم تبين تونس موقفها منها إذ أعلنت فقط أنها توصلت بها، لأن البلاد التونسية لم تعترف بحقوق المجموعات الأثنية أو اللغوية المختلفة وخاصة حقوق الأمازيغ فإقرارها بهذه الاتفاقية فيه إقرار بوجود هذه المجموعات وهو ما لم تقبله تونس منذ توصيات مجلس حقوق الإنسان في 2008 وتواصل إنكارها إلى حدود تقرير 2017.
التعليقات
علِّق