ما حكاية تغيير علم تونس من قبل قيس سعيّد : أو عندما يصرّ صنّاع الإشاعة على الكذب على التونسيين ؟
منذ فترة ليست بالقصيرة أصبحت على قناعة تامة بأن هناك " قائد أوركسترا " يقف خلف الستار ليوجّه " ممثلين " اختار لهم أدوارا معيّنة ووزّعها عليهم بإتقان ... وأوصاهم بأن يلعب كل واحد منهم دوره المحدد ... في الزمن المحدد ... والمكان المحدد.
ولعلّ كل التونسيين لاحظوا أنه لا يكاد يمرّ يوم في هذه البلاد دون أن يجدوا أنفسهم في نقاش معيّن لموضوع معيّن غالبا ما لا يختارونه ولا ناقة لهم فيه ولا جمل ...وآخر ما صدر في هذه البدع موضوع العلم التونسي الذي كثر الحديث والنقاش حوله منذ يومين وما زال النقاش متواصلا.
وحتى أكون واضحا فقد بدأت الحكاية عندما نشرت بعض الصفحات ( وهي نفس الصفحات التي تنشط على بثّ الأكاذيب والإشاعات منذ مدّة وبنفس الطريقة ) الفصل الثامن من الدستور الجديد مستخلصة أن به أخطاء يفهم منها أن الرئيس قيس سعيّد ( الذي كتب الدستور بمفرده حسب هذه الصفحات ) يعمل على تغيير شكل علم البلاد ... وفي أسوأ الأحوال فإن الأخطاء الموجودة بالفصل المذكور تفتح باب التأويلات وتجعل إمكانية تغيير العلم التونسي واردة في أي وقت .
ومثلما تبيّنه الصورة فقد نشر هؤلاء " العباقرة " صورة تجمع نفس الفصل المتعلّق بالعلم في النسخ الثلاث للدستور التونسي ( نسخ سنة 1959 وسنة 2014 و 2022 ) ... وقاموا بمقارنة بينها فهداهم نبوغهم إلى أن نسخة 2022 هي الأسوأ على الإطلاق... وفي المقابل غضّوا الطرف على ما ورد في نسختي 1959 و 2014 إما عن جهل تام باللغة العربية وإما قصدا لأنهم في النهاية لا يريدون إلا إبراز أخطاء قيس سعيّد إن وجدت طبعا.
من حيث الشكل ؟
نأتي الآن إلى مقارنة النصوص الثلاثة من حيث الشكل. فقد وردت في دستور 1959 عبارة " خمس أشعّة " وهي عبارة خاطئة بالرغم من أن بعضهم يزعم بل يتباهى بأن المراجعة اللغوية لدستور 1959 تمت من قبل الأستاذين محمود المسعدي والحبيب بولعراس. والخطأ يكمن في لفظ " خمس " أي أنه تم قلب القاعدة اللغوية التي تتعلّق بالعدد والمعدود حيث يم التذكير مع المؤنث والتأنيث مع المذكّر ( خمس نقاط ...خمسة أشعّة وهي جمع شعاع وهو مذكّر).
وفي دستور 1959 أيضا جاءت عبارة " حسبما " ملتصقة وهذا أيضا خطأ إذ أن الصواب هو حسب ...ما .
أما في دستور 2014 فقد جاءت عبارة " يتوسّطه قرص أبيض " والقرص لا يدلّ عادة على الشكل لأن الأصل في الكلمة " دائرة " وليس قرصا . كما تضمّن الفصل في دستور 2014 نفس الخطأ وهو " حسبما " لكن لا أحد تفطّن أو علّق لا في ذلك الوقت ولا اليوم.
وأما في دستور 2022 فقد ركّز " عباقرة آخر زمن " على عبارة " يحيط بها " واعتبروا أن ذلك معناه أن الهلال الأحمر يحيط بالدائرة البيضاء فيتغيّر شكل العلم بصفة كليّة .. وذهب الخيال العبقري لأحدهم إلى حدّ تصوّر شكل غريب للعلم فرسمه على الصورة التي ترون ( أنظر الصورة وتمتّع طبعا ).
وفي المقابل وبما أني أدّعي أني واحد ممّن يتقنون اللغة العربية نطقا وكتابة فإني أعتبر أن الفصل الثامن من الدستور الحالي قد صحح خطأين اثنين أو لنقل ثلاثة أخطاء وردت في دستوري 1959 و2014 وهي : قرص أبيض وخمس أشعّة وحسبما. أما عبارة " يحيط بها " التي يصرّ العباقرة على أنها خاطئة فهي ليست خاطئة إذ تعود على أقرب اسم ورد قبلها في الجملة وهي الأشعّة.
وبناء على كلّ ما سبق فإن الواضح أن هناك بعض الأطراف وهي عديدة للأسف لا شغل لها إلا تشويه أي شيء له علاقة بالرئيس قيس سعيّد حتى من خلال الإفتراء والإدعاء وخلق الأكاذيب والإشاعات ونشرها على صفحات مدعومة بات من يقف وراءها تقربا معلوما لدى الكثير من التونسيين .
ويعلم جميع من يعرفني عن قرب أني ما دافعت يوما عن السلطة وأن دفاعي الوحيد كان ولا يزال وسيظلّ عن الحق مهما كان صاحبه.
أما سؤالي الذي لا يستحق في الواقع جوابا لأنه يحمل بداخله استنكارا ينوب ويفصح وحده عن الجواب فهو: لماذا لم نسمع لأحد من هؤلاء الفلاسفة ( بالمعنى السلبي للفلسفة طبعا ) صوتا في ما يتعلّق بالأخطاء الواردة في دستور 1959 وفي دستور 2014 ؟. هل إن أعينهم لا ترى إلا ما ورد في دستور 2022 ؟؟؟.
جمال المالكي
التعليقات
علِّق