في قابس : متحصل على الإجازة منذ 1994 وقانون الثورة يواصل حرمانه من حق العمل
في الوقت الذي تعالت فيه أصوات عدد كبير من العاطلين في المساحات السمعية والبصرية والساحات العمومية لتذكرنا بوضع عقدين من الزمن حرم فيهما أصحاب العديد من الشهائد العليا من حقهم الشرعي في العمل لأسباب عدة نتاج سياسة تشغيلية هشة غيبت فيها ابسط القوانين الموضعية .. كان هناك ضحايا آخرون منع الاقتراب من حدود شكواهم , سلطت عليهم أبشع وجوه التعذيب النفسي , مورس عليهم التهميش والتتبع الأمني المكثف , حرموا من ابسط حقوقهم المدنية , كانوا أمام المجتمع أحررا لكنهم في الواقع سجنوا في سجن كبير هو تونس النوفمبرية .
والغريب انه لولا واقعة القصرين أين انتهى بالبعض من هؤلاء القيام بمحاولة انتحار جماعية لما حملتني رغبة البحث إلى محدثي الذي هو جزء من هذه المأساة التي تعنى بأصحاب الشهائد العليا والذين تجاوزوا السن القانونية في العمل .
إنطلق في سرد حكايته بكل ثقة في النفس و أمل في ما تبقى من أيام حياته:
اسمي علي النفوسي من مواليد 1961بقابس متحصل على باكالوريا 1982 تكويني الثقافي والزمني حملني إلى كلية الحقوق بتونس أين زاولت تعليمي لمدة سنتين حاولت في الإثناء التوجه لنيس بفرنسا لمواصلة الدراسة ولتوفير بعض الأموال ولكن القدر أبى إلا أن تكون محطتي دمشق , بلد الثقافة والسياسة والأدب غصت في كل بحورها كان الكتاب فيها صديقي ونديمي وخصمي الأمر الذي مكنني من أن أكون عضوا بالهيئة الإدارية لإتحاد طلبة تونس فرع دمشق .
في هذه المرحلة كانت آرائي تصب في نقد التحول الذي عرفته تونس في 1987 كان كلامي في الجلسات الطلابية توعويا بحكم معرفتي بالرئيس الجديد الذي لم تفارقني صورته إبان قمع الانتفاضة الطلابية بتونس .
من هنا بدأت رحلة العذاب مع الداخلية ففي سنة 1990عدت إلى تونس في زيارة للعائلة فاستقبلني جلادو الأمن بتكتيكهم القمعي وحجزوا جواز سفري على خلفية انتمائي إلى حزب غير مرخص له وهو حزب البعث , نعم هكذا كانت تونس بن علي التهم توزع بالمجان .
يواصل محدثي كلامه , كنت لا أرى سببا قانونيا ولا أخلاقيا لما أتعرض له تهمتي الوحيدة أني أفكر وأتكلم , هي قيم الإنسان الذي لا يهان ولا يمكن أن يبيع إنسانيته مقابل أن يهنأ بين أحضان الدولة , نعم فقد ضغط علي الأمن بكل الوسائل وأغراني بالانتماء إلى حاشيتهم مقابل أن انقل تحركات كل التونسيين المتواجدين بسوريا , هو خوف الدولة من أبنائها لا خوف الدولة على أبنائها , تلك هي مفارقات المرحلة .
في ظل هذه التجاذبات تمكن محدثي من إتمام دراسته وتحصل على الإجازة في الحقوق وقرر العودة إلى تونس بعد أن تحصل على المعادلة العلمية وانطلقت رحلة العذاب من جديد كانت كل مطالب الشغل ترمى في سلة الرفض وكانت الإجابة واضحة من كل المؤسسات الحكومية :" لأمور أمنية أنت ممنوع من العمل" . هكذا بكل بساطة ضيق سوق الشغل في وجهه حتى القطاع الخاص كان بنبذه خوفا من عواقب كسر حاجز البطالة عنه. زد على ذلك التهم والإشاعات الكثيرة التي نسجها التجمعيون حول شخصه , كل هذا كان يمكن أن يلفه النسيان اليوم في ظل الراهن الجديد لذلك تقدم إلى مناظرة المعلمين فتم رفض مطلبه بسبب تجاوزه السن القانوني رغم قبول البعض ممن هم في نفس سنه ؟؟ الأمر سيان بالنسبة له فالثورة التي قامت من اجل الكرامة والشغل لم تنجح في ضل الراهن الحكومي الذي لا يراعي ظروف المواطن المهمش الذي يسكنه كابوس السنوات الماضية بسوادها .
محدثي يسأل أي ثورة هذه التي سمحت لأمثال هؤلاء ان يبقوا في الوزارات ؟؟ وأي ذنب لي حتى أحرم من حقي في العمل ؟؟ هل نحن في ما قبل الثورة ؟؟ هل مازالت بعض العناكب في أسقف بعض الوزارات؟؟ ماذنب إبنتي في هذا السن كي تسكب الدمع مرارا حين تسأل عن طبيعة عمل أبيها فتقول : لا شيء .. لاشيء ..
أكرم معتوق
التعليقات
علِّق