في تقرير حديث : " تونس دولة مافيا يتحكّم في أجهزتها 300 رجل ظلّ تحرّكهم المصالح والنفوذ والجهويّات "
أصدرت منظمة " مجموعة الأزمات الدولية " ( intrenational CRISIS GROUP) يوم 10 ماي2017 تقريرا مهمّا جدا عن الوضع في تونس تحت عنوان " الانتقال المعطَّل: فساد وجهويات في تونس "
وتناول التقرير وضع بلادنا بأدق التفاصيل . وأفاد على سبيل المثال بأن حوالي 300 رجل ظل يتحكمون في أجهزة الدولة في تونس ويعرقلون الإصلاحات وبأن بعضهم يعطل تنفيذ مشاريع تنموية بالمناطق الداخلية ويحرك الاحتجاجات الاجتماعية فيها.
وتحدث التقرير أيضا عن مظاهر الإثراء من خلال المناصب” السياسية والإدارية و عن المحسوبية والسمسرة التي أصبحت تنخر الإدارة والطبقة السياسية العليا في الأحزاب في وفي البرلمان .
وأفاد التقرير الذي أعدته المنظمة بعد لقاءات مع أكثر من 200 شخصية من الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والنقابيين وغيرهم أن مجلس نواب الشعب أصبح مركز التقاء لشبكات سمسرة وأفاريات وأن بعض النواب أصبحوا مختصين في هذا المجال .
وأشارت المنظمة إلى أن تونس باتت تعيش في ظل " منظومة مافيوزية " وأن الفساد بلغ مستويات خطيرة خصوصا في وزارة الداخلية والديوانة والقضاء وأن " رجال الظل" يحركون خيوط اللعبة في الكواليس للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية ويؤثرون في الإعلام والسياسية على حد سواء .وأضافت أن التأثير المتنامي لرجال الظل في المؤسسات العمومية شلّ جزءا كبيرا من الإصلاحات فيها .
توافق هشّ قد يموت في كل لحظة
وتحدث التقرير عن التوافق السياسي الحاصل في تونس منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 وقال إنه نجح في استقرار الساحة السياسية التونسية لكنّه بدأ يصل إلى حدّه . وبالرغم من تكوين حكومة وحدة وطنية تجمع أهم الأحزاب السياسية فإن شعورا بالإقصاء " الاجتماعي - الجهوي " وبتفكك الدولة بدأ يتنامى يغذّيه انتشار " البيزنس " والمحسوبية . ولا شك أن مواصلة الانتقال الديمقراطي وإعادة نسق الاقتصاد الوطني يتطلبان تعميق هذا المسار إلى ما هو فوق التوافقات بين القياديين السياسيين والنقابيين . وهذا يتطلب أيضا مقاربة جريئة وجديدة تستقطب الشخصيات الأكثر تأثيرا في عالم الأعمال بمن فيهم الذين ينحدرون من المناطق المهمّشة الذين يحصلون على سلطات غامضة في الحياة السياسية والاجتماعية .
بارونات التهريب
وفي الوقت الذي تشهد فيه التوازنات الاقتصادية انخراما ملحوظا فإن الاستقطاب ما فتئ يقوى في عالم الأعمال بين رؤساء المؤسسات ولكن أيضا بينهم وبين بارونات الاقتصاد الموازي وأهمّهم المهرّبين . فمن جهة نجد نخبة اقتصادية تنتمي إلى جهة الساحل وإلى بعض المدن الكبرى مبجّلة ومحميّة بواسطة ترسانة من التشريعات وتأمل أن تبقى ببقاء الحال على ما هو عليه نجد من جهة أخرى طبقة جديدة من رجال الأعمال برزت من المناطق المهمّشة بعضهم تخصص في التجارة الموازية ويساند جزئيا الاحتجاجات العنيفة ضد السلطة و هو يأمل أن يجد لنفسه مكانا بين النخبة الموجودة أو حتى تعويضها .
وأوضح التقرير في هذا الشأن أن المهربين بالمناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر بنوا بعد الثورة ثروات طائلة بمليارات الدولارات وأنهم يريدون اليوم مكانة وحظوة سياسية واقتصادية مثل تلك التي يحظى بها " رجال أعمال النخبة " في الساحل والعاصمة تونس الذين يعطلون إقامة مشاريع تنموية بالمناطق الداخلية حتى لا تؤثر على مشاريعهم ومصالحهم.
وبناء على هذا الصراع العميق أصبح التنافس الاقتصادي والسياسي متعفّنا إذ يهدف هذا الصراع إلى الإستئثار بالمناصب الحساسة والأولى في الإدارة بما يسمح بالتحكم ومراقبة النفاذ إلى التمويل البنكي وإلى الإقتصاد الرسمي . ويساهم هذا الصراع في توسيع و " دمقرطة " الفساد وإصابة الإصلاحات بالشلل . وهذا يؤجج اللاعدالة بين الجهات التي تغذّي بدورها التفرقة بين مواطني المناطق المهمّشة وقد أصبحت ممكنة في ظل التصرف العشوائي للمسؤولين الإداريين وانغلاق النظام البنكي وجموده .
وفي الوقت الذي رفعت فيه حكومة يوسف الشاهد شعار مقاومة الفساد وإعادة دوران عجلة الاقتصاد وجدت الحكومة نفسها وبصفة " منهجيّة " معطّلة منذ الانطلاق . فالإصلاحات التي تقترحها الحكومة يصعب تحقيقها في غياب مبادرة سياسية تهدف إلى " تحجيم " السلطة الغامضة لهؤلاء الفاعلين .
ولئن بدت العديد من الاجراءات التي أعلنت عنها الحكومة هامّة ولقيت سندا لدى شركاء تونس الدوليين فإن العديد من الإجراءات الأخرى يجب أن تكون ذات أولوية من أجل تحسين الوعي العام وحماية الدولة من شبكات المحسوبية والتوجّه مباشرة إلى ضرب منابع الإقصاء الاجتماعي الجهوي وهو عنصر سلبي ومقلق على المدى المتوسّط بالنسبة إلى استقرار البلاد .
ولا شك في أن هذا التقرير الذي ضم حوالي 35 صفحة هام جدا ويستحق المتابعة خاصة أنه يبدو أن هذه المنظمة تعتمد قدر الإمكان على الموضوعية والحياد .
رابط التقرير :
https://d2071andvip0wj.cloudfront.net/177-la-transition-bloquee-corrupti...
التعليقات
علِّق