20 دينارا غرامة لمستعملي سيارات الإدارة في غير محلّها : هل تنهى الحكومة عن الفساد أم تشجّع عليه ؟؟؟
جمعت الحكومة أمس جلّ وزرائها للنظر في عدة مسائل ومن بينها إقرار قانون " يردع " مبدئيّا كافة استعمالات السيارات الإدارية في غير المهمة المخصصة لها . وفي هذا الإطار أقر المجلس الوزاري غرامة مالية قدرها 20 دينارا ضد كل من يستعمل السيارة الإدارية لأغراض شخصية إلى جانب المساءلة الإدارية.
إلى هما تبدو الأمور طبيعية . إلا أن السؤال الذي كان على الحكومة أن تطرحه على نفسها قبل أن نطرحه نحن أو غيرنا : هل إن هذه الغرامة كافية لردع المخالفين ( وما أكثرهم ) وجعلهم " يتوبون إلى الله " ويتّقونه في سيارات الإدارة التي هي في النهاية سيارات هذا الشعب الذي لا يتمتّع بها أصلا ؟.
أما الإجابة الطبيعية عن هذا السؤال فهي أن هذه الغرامة ليست في النهاية سوى تشجيع على المزيد من استعمال سيارات الإدارة في حمل الحديد و " السيمان " وحمل " علالش العيد " ... وحمل " المدام " والأولاد إلى البحر وإلى حفلات الخطوبة والأعراس ... وحمل " الياجور " و " القرط " والخضر والأولاد إلى الروضة أو المدرسة ... وغير ذلك من الإستعمالات التي لا علاقة لها مطلقا بالعمل الإداري . وإذا أقرّت وزارة أملاك الدولة ( بجلالة قدرها ) بأن استعمال السيارات الإدارية فساد إداري وإهدار للمال العام وقالت إنها ستتصدى له فهل " نفهم " نحن أكثر من الوزارة فنقول مثلا إنه لا يدخل في إطار الفساد ؟. وعلى هذا الأساس تعالوا نحسبها بكل واقعية وهدوء . لنفترض مثلا أن لي سيارة إدارية وسيارة شخصيّة . الأولى أستعملها خلال العمل الإداري والثانية أستعملها خارج العمل الإداري وخاصة يومي السبت والأحد . فإذا استعملت سيارتي في " الويكاند " فإنني لن أفلت من 100 دينار مصاريف . أما إذا استعملت سيارة الإدارة فلن أنفق مليما واحدا باعتبار أن لي وصولات الوقود من الإدارة التي أعمل بها . وفي هذه الحالة أيهما أفضل وأرفق : أن أستعمل سيارتي وأخسر 100 دينار على الأقل أم أستعمل سيارة الإدارة وأنا أعلم أن أقصى ما يمكن أن " يصيبني " غرامة مالية قدرها 20 دينارا إذا صادف أنهم ضبطوني " بالكمشة " متلبّسا باستعمال السيارة الإدارية في غير ما جعلت له ؟. ألا يعني أن استعمال سيارة الشعب حتّى إن غرّموني بعشرين دينارا أفضل 100 مرّة لأنه سيمكّنني من أن أربح 80 دينارا في جيبي على الأقل ؟. ألا يعتبر هذا تشجيعا على الإفراط في استعمال السيارة الإدارية في غير محلّها بما أن العقاب لا يخرج عن دائرة " ضرب الهجّالة في بنتها " ؟.
ومن جهة أخرى من يضمن للحكومة أن كل من يستعمل سيارة الإدارة خطأ سيعاقب بهذه الغرامة ؟. ألا يفتح هذا القانون الباب على مصراعيه " للإجتهاد " الذي نعرف جميعا أنه سائد منذ عقود لدى العديد ممّن تكلّفهم الدولة بتطبيق القوانين ؟ وبالتالي لن تستفيد الدولة من هذا القانون بما أن العائدات لا أحد يضمن أن تكون في حجم المخالفات ؟.
ودون أن نغمس رؤوسنا في التراب مثلما تفعل النعامة تعالوا نقلها بصراحة إن هذا القانون تشجيع على الفساد وإهدار للمال العام أكثر فأكثر. وقد كان على الحكومة ( رغم أننا لا نشكّ في النوايا ) أن تقرّ عقوبات أشدّ صرامة على كل من يستعمل سيارة الإدارة لأغراض شخصية كأن يتم تحرير محضر رسمي ضدّه يوجّه إلى رئاسة الحكومة وينجرّ عنه في المرة الأولى تنبيه بسحب السيارة منه إذا أعاد الكرّة مع غرامة مالية تكون أرفع بكثير مما صادق عليه مجلس الوزراء ... أما إذا عاود صاحبنا فعلته فتسحب منه السيارة فورا دون شفقة ولا رحمة عسى أن يكون عبرة للآخرين الذين ما زالت فكرة " رزق البيليك ّ معششة في أدمغتهم ولا أظنّ أنها ستزول منها بقانون مثل هذا يشجّع ولا يردع .
جمال المالكي
التعليقات
علِّق