15أكتوبر..الكلّ يشحذ سكاكينه !! لنجعله يوما لطرد الفقر و البؤس و تأسيس المصالحة الشعبية..

15أكتوبر..الكلّ يشحذ سكاكينه !! لنجعله يوما لطرد الفقر و البؤس و تأسيس المصالحة الشعبية..

يستعد التونسيون يوم غد 15أكتوبر للاحتفال بالذكرى لجلاء أخر جنود المستعمر عن بلادنا .وتحل هاته الذكرى في وقت حسّاس يعيش فيه التونسيون انقساما حادّا لم يعهدوه و يعانون من ندرة المواد الغذائية و البنزين و انهيار القدرة الشرائية . كما تحلّ هاته الذكرى في وقت اشتدّ فيه الصراع السياسي و الذي لاعلاقة له بواقع الناس فالكل يبحث عن تسجيل نقاك عن خصمه و الكل يبحث عن تموقع جديد في المشهد السياسي القادم. وقبل حلول هذه الذكرى بأيام بدأ الكل يشحذ سكاكينه للقضاء على خصومه مستغلين الشارع البائس و متاجرين بأحلام الشعب المنكوب.

ولكن أين الشعب من كلّ هذا؟ التونسيون لم يعودوا قادرين على الاحتفال بتواريخهم الرمزية مجتمعين وموحّدين فقد أفسد الساسة هاته المناسبات باستغلالهم الشخصي لها و تقسيمهم للشارع و غدت هاته المناسبات مناسبة لتأجيج الصراع و رفع منسوب الاحتقان.ففقد الاستقلال طعمه و جرّد الجلاء من معانيه وفتّت الثورة حتى لم يبقى منها شيئا يحتفل به. 15ذكرى أكتوبر لايجب أن تزيد من أوجاع التونسيين و لايجب أن تكون مناسبة لمزيد الضحك على الذقون .فالجلاء الحقيقي هو اجلاء الفقر و اجلاء الفرقة و اجلاء التواكل . و المراهنون على الشارع و المواطنين البسطاء لمزيد تعكير السلم الاجتماعي و تسجيل نقاط على خصومهم واهمون فالتونسيون لم يعد يعنيهم من يحكمهم بقدر ما يعنيهم من يعيدهم الى آدميتهم . ولنذكّر شبابنا و أطفالنا بأن ذكرى الجلاء ليست التي يرونها اليوم انما هو عيد كان يحتفل به منذ يوم 15 أكتوبر 1963.وهي درس في التضحية وحب الوطن. فقد كانت انطلاقته بما يعرف بمعركة الجلاء التي اندلعت يوم 8 فيفري1958 بعد العدوان الفرنسي على قرية ساقية سيدي يوسف التي تقع على الحدود التونسية الجزائرية والتي استهدفت عدداً من المؤسسات المحلية ونتج عنها سقوط عشرات الشهداء من البلدين الشقيقين.

ويوم 13 جويلية من العام نفسه أعلنت فرنسا رفضها مفاوضات الخروج من بنزرت تحت التهديد في حين أكد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في خطاب ألقاه أمام 100 ألف متظاهر يوم 14 جويلية ضرورة الجلاء، ليعلن شارل ديغول في اليوم الموالي رسميًا عدم استعداد بلاده للتفاوض حول الانسحاب من بنزرت. وفي 19 جويلية 1961، قامت قوات الجيش التونسي صحبة آلاف من المتطوعين بحصار القاعدة العسكرية ببنزرت وكانت المعركة في البداية لصالح التونسيين حيث تمّ اقتحام مركز التموين الفرنسي، ونجحت المدفعية التونسية في تحطيم سبع طائرات فرنسية في مدارج مطار سيدي أحمد ومقتل وجرح العديد من المظليين الفرنسيين القادمين من الجزائر وجرت محاولات لاقتحام ترسانة ثكنة منزل بورقيبة. ولكن الجيش الفرنسي أرسل تعزيزات للقوات الفرنسية المتواجدة بتونس وحوصرت المياه الإقليمية التونسية بالبوارج الحربية وحاملة الطائرات "كليمونسو" وبارجة ثقيلة والوحدات المظلية. وقامت القوات الفرنسية بشن هجوم معاكس وتمكنت من احتلال جزء كبير من المدينة فتعرّض بورقيبة لانتقادات شديدة من معارضيه.

وقد حثّ الحبيب بورقيبة على مواصلة القتال يوم 21 جويلية 1961 وتحوّلت المواجهات إلى حرب شوارع حقيقية وكثّف الطيران الحربي الفرنسي قصفه للمدينة وتضاعف عدد القتلى خاصة من المدنيين. وبعد تواصل الاشتباكات طيلة يومي 21 و22 جويلية 1961، أصدر مجلس الأمن القرار عدد 164 القاضي بوقف إطلاق النار. ووصل في هذا السياق يوم 25 جويلية 1961 الأمين العام للمتحدة آنذاك داغ همرشولد إلى بنزرت وانعقد في 21 أوت 1961 اجتماع في الأمم المتحدة للنظر في قضية بنزرت وانتهى بإصدار قرارات لفائدة تونس. وصوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 27 أوت 1961 بالأغلبية المطلقة على ضرورة فتح التفاوض بين تونس وفرنسا من أجل تحقيق الجلاء عن بنزرت. وبعد مفاوضات حثيثة، توصّل الطرفان التونسي والفرنسي يوم 18 سبتمبر 1961 إلى اتفاق ينصّ على سحب كلّ القوات الفرنسية من مدينة بنزرت. و في الرابع من شهر أكتوبر من العام ذاته تمّ الإعلان عن موعد جلاء الفرنسيين عن التراب التونسي وخروجه من بنزرت. وانتهت هذه الأحداث، والتي تُعرف بأحداث بنزرت أو معركة بنزرت والتي أسفرت عن مقتل 630 تونسيًا و155 جريحًا أغلبهم من المدنيين، بجلاء آخر جندي فرنسي عن الأراضي التونسي يوم 15 أكتوبر 1963. هذه هي معاني الجلاء الحقيقية التي يجب أن يستحضرها التونسيون و يعلّمونها لأطفالهم فهي درس في حب الوطن و الذود عنه بعيدا عن الشعبوية و السياسوية .

فتحي التليلي

التعليقات

علِّق