وسط آسيا : السيناريوهات الجيوسياسية المحتملة

في منطقة ظل جيوسياسية حساسة، تتصارع على ثرواتها وموقعها الجغرافي المفتاحي قوى دولية واقليمية مؤثرة، تتقاطع مصالحها احيانا وغالبًا ما تتعارض، حيث تملك كل قوة مشروعها ورؤيتها الخاصة التي تتأرجح بين "تحالف أوراسي" تقوده موسكو، ومشروع "الحزام والطريق" الصيني، النسخة الحديثة لطريق الحرير، وحلم "وحدة العالم التركي" بقيادة أنقرة، وسعي حثيث من الغرب لإيجاد موطئ قدم في المنطقة، إلى جانب استثمار خليجي هائل.
كل هذا التنافس يبرز أهمية الاستثمار وهامش التطور الكبير لمنطقة قادرة على الربط بين الشرق والغرب، لنقل منتجات الصين (مصنع العالم) وأغلب الموارد الباطنية في العالم، المتمركزة في الشرق الأوسط وروسيا مما يجعل المواجهة قادمة لا محالة، إلا إذا عُقد اتفاق يرضي جميع الأطراف، ولو جزئيًّا. وبذلك يمكن أن نتوقع أربعة سيناريوهات محتملة:
أولًا: سيناريو التكامل عبر شراكات ذكية
في هذا التصور، تلعب دول المنطقة على التوازن بين القوى الكبرى، فلا تصطف مع أي طرف، بل تستغل خلافاتهم لتحقيق مصالحها وضمان حقوقها. لكن هذا الخيار يتطلب تنسيقًا كبيرًا ومرونة من دول المنطقة، مما يجعل نجاحه صعبًا.
ثانيًا: الاستقطاب المدمّر
يعد هذا السيناريو الاكثر خطورة، إذ يعلمنا التاريخ أن الصراع بين القوى الكبرى غالبًا ما يجلب الأزمات ويمنع التقدم، فتتحول المزايا إلى مصدر للتهديد، وتنقسم دول المنطقة إلى محاور متنافسة.
ثالثا: الاندماج الوظيفي الناعم
عندما تعقد القوى الدولية والاقليمية المؤثرة توافقات فيما بينها، تتحول " وسط اسيا" تدريجيًّا إلى مناطق عبور، دون أي نفوذ أو مصالح تُذكر. بل إن هذا السيناريو قد يشكّل تهديدًا صريحًا لاستقلالية هذه الدول، حتى لو جلب استقرارًا مؤقتًا، إذ يكون على حساب السيادة، وقد يقود إلى التفكك الداخلي. لذا يستوجب وعيًا داخليًّا بخطورته، ووحدة لمقاومته بأقصى حد.
رابعًا: التوحد في مواجهة التهديدات
في هذا التصور الطموح، تدرك دول المنطقة أن ما يجمعها أكثر مما يفرقها، وأن مصيرها واحد. فهي مجبرة، لا مخيّرة، على تجاوز الخلافات البينية وتكوين جبهة موحّدة للحوار مع القوى الكبرى والاقليمية المؤثرة لفرض شروطها والحفاظ على مصالحها. هذا السيناريو هو الأفضل للمنطقة، لكنه الأقل احتمالًا.
بالمحصلة في ظل احتدام مستويات التوتر في مناطق عدة من العالم، فانه من المتوقع جدا، في المنظور المتوسط، ان تتحول منطقة "وسط اسيا" الى مسرح للصراع والتنافس الجديد بين "التنين" الصيني و"الدب" الروسي من جهة و "العم سام" من جهة ثانية، حيث ستكون نتيجته المباشرة إعادة تشكيل التوازنات الجيو-استراتيجية في العالم برمته ....
بقلم محمد معاذ شارد
متخصص في إدارة الأعمال وسلال الإمداد
التعليقات
علِّق