وزير عدل بن علي يفجّر موهبة الشعر لديه ويهزأ من حكّام تونس ومن نخبها وشعبها

لم أكن أعرف قبل اليوم أنه " شاعر " حتى عرفت ... لم أكن أصدّق أنه سيتجرّأ يوما على قول هذا الكلام حتّى صدّقت ... لم أكن أتصوّر أن من حكمونا بعد الثورة سيعطون الفرص لكافة رموز العهد البائد ليتطاولوا علينا وعليهم وعلى البلاد وعلى الثورة ... حتّى صدّقت . وحتّى لا أطيل عليكم فقد وجدت هذه " القصيدة العصماء " منشورة على موقع " كراطاقو نيوز " لصاحبها الصادق شعبان وزير العدل في عهد بن علي ... وفيها أفرغ قلبه مثلما أراد واشتهى .
وقبل أن أترك لكم لذّة القراءة أبدي بعض الملاحظات فقط . فهذا الشاعر الذي لم نكن نعرف لديه موهبة الشعر حصلت في عهده السعيد على رأس وزارة " اللّاعدل " كوارث وفظاعات ... وسجن في عهده أبرياء وشرّدت عائلات ... وقهر رجال ودمّر مستقبل الآلاف من الشباب والشابات ومن الرجال والنساء . في عهده السعيد لم يمن مسموحا للتونسيين أن يفكّروا فما بالكم بإبداء أي رأي معارض أو مخالف ؟. وهذا الشخص الذي صار " يشعر علينا " استمات في الدفاع عن نظام الظلم والاستبداد ... طلع علينا في أكثر من مرّة ( إلى جانب برهان بسيّس ) ليقول لنا إن كافة المعارضين يكذبون وإن تونس جنّة الله وبن علي على وجه الأرض ... سئل ذات مرّة على قناة الجزيرة ( والتسجيل موجود ولا يستطيع لا هو ولا غيره أن يمحوه من الذاكرة ) عن المساجين السياسيين في تونس فقال بالحرف الواحد : " لا يوجد في تونس أي سجين سياسي ... وأتحدّى أيّا كان أن يثبت عكس ما أقول ...".
ولا شكّ أن من غادروا سجون سيده بن علي كانوا مساجين فلاحيين أو مساجين ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى ... وها قد أطلت عليكم بكلام لا يستسيغه " الصادق " شعبان قبل بضعة أيام فقط من شهر رمضان ... لذلك أترككم مع إبداع شعبان وأقول فقط إن المصيبة أن جزءا كبيرا ممّا قاله صحيح ... ويعود الفضل والبركة في ذلك طبعا إلى كل من حكموا هذه البلاد بعد التاريخ الذي كان من المفروض أن يدخل بعده كل من هم من طينة شعبان إلى جحورهم فلا يخرجون منها أبدا .
يقول الصادق شعبان :
" الى هؤلاء الذين لا يسامحون ،
من طلب منك سماحا ، من وقف على بابكم ،
من طلب منكم خروجا عن المبادئ و عن القانون ؟
تغالطون الناس اليوم ،
كما غالطتم شعبا كاملا ، بكلام ثورجي ،
بشعارات كاذبة ، يا ايها الذين لا تسامحون .
هدمتم وطنا غاليا ،
شردتهم شبابا ، أضعتم نخبا ،
باسم حرية ، باسم عدالة لم نرها ، و باسم " قانون ".
جاءتكم سفارات ، زرتم دكاكين ،
جاءتكم منظمات ، وقفتم على ابوابها ،
أغدقت مالا ، تجوسست ، بثت فيكم افكار الجنون .
عقدتم ندوات و بعدها ندوات ،
وضعتم هيئات و اية هيئات ،
كلفتم الفقراء و المحرومين ، و شباب تونس ، ملايين المليون !
قلتم من اجل مصالحة ، لانطلاقة جديدة!!
اين المصالحة ، اين الانطلاقة ؟
يا ايها الذين من زمان لا يعملون و لا يصلحون.
أخذتم السلطة ، أخذتم المال،
لا الحريات كانت هدفا ، لا الشفافية ،
لا التشغيل ، لا العدالة بين الجهات ، و لاهم يحزنون.
غررتم بناس ، فقّرتم أناسا
هدمتم دولة ، أربكتم امنا ،
ما أنتم بهذا الوطن باسم النبي محمد فاعلون.
محاسبة ثم مصالحة ، مصالحة بعد محاسبة ،
المعادلة هذه لم افهمها الى اليوم ،
فان انتم حاسبتم : عن اية مصالحة تتكلمون!
دستوركم هذا ، امتلأ حقوقا ،
امتلأ عدلا ، و في اخره استثناء ،
وعد فيه ان للمصالحة الوطنية نعلٌق القانون.
لا المصالحة حصلت ، و لا المحاسبة ،
الاستثناء حاد عن أهدافه ، استخدم عبثا،
لا القضاء أتم مساره العادي ، و الصلح مرهون .
سبع سنين كاملة و نحن هكذا،
كمن يمشي ناظرا الى وراء ،
يا ايها الذين يريدون مشيا و لا يمشون .
رجال أعمال ابتزوا ، شردوا،
ساومهم هذا، هددهم ذاك ،
جل المؤسسات عطلت ، فعن اي نمو جديد تبحثون ؟
لم يطالب احد بالسماح ،
لا احد طالب بالإفلات ، باللاحساب ،
كل ما طلبوه : عدالة القضاء و احترام مبادئ القانون.
لا لاجراءات مغشوشة ،
لا لقضاء خاص ، لا لهيئة انتقالية،
ظاهرها صلح ، و الحقد فيها مدفون مدفون.
يا انت الذي لا تريد السماح ،
اترك للقضاة اختصاصهم ، لا تخرق مبادئهم،
فمن أجل المصالحة دون سواها، المحاكم يبعدون.
يا فقراء تونس ، يا من ليس لهم عمل،
يا نخب بُهذلت ، و نخب شُرّدت ،
لا تنساقوا في مسارات لاوطنية يخطط لها اخرون .
طوينا صفحة ، صار عفو ،
صار تعويض ، صار تشغيل ،
عن اي بقية باقية من التعويض و التصالح تبحثون؟
ذهب فساد جاء فساد،
فساد بارقام و فساد بدون ارقام ،
بارونات المافيا و الفوضى اليوم على الهلاك يلتقون.
مشى نظام أتى نظام ،
الفقر يزداد و اليأس يعم جميع الناس،
فعن اي نظام تتكلمون ؟ و اي نظام لا تسامحون؟
من كان مشردا من كان معذبا ،
عرف معني التسامح ، أظهر كل التسامي،
و من لا نضال لهم و لا تضحيات شعار الانتقام الان يرفعون.
تونس سوف تبقى ، الوطن سوف يرقى ،
ان اندس غرب فينا ، و ان توغل شرق ،
عزيمتنا أقوى و اقوى من الذين ، باسم الاخر، ينطقون .
هولاء الذين عنهم قلتم بذيء الكلام ،
كوادر ، رجال اعمال ، مسؤولون ،
خدموا وطنا ، حققوا أرقاما ، ما انتم عليها اليوم قادرون .
من يحاسب من ! من يحاكم من !
وصلنا يا تونس لهذا ، لأننا منذ البداية ،
فوتنا الفرص ، أضعنا الزمان ، بقادة ينتظرون ."
تعليق : جمال المالكي
التعليقات
علِّق