وزارة الفلاحة : قرارات ضرورية لحماية الثروة المائية لكنها مربكة لعدد من القطاعات
طالب العديد من الخبراء و المختصين في الشأن البيئي منذ مدة طويلة بتدخل الدولة لترشيد استهلاك الماء ووضع خطة عمل محكمة بعد الجفاف الذي تعيشه البلاد لكن التجاوب لم يكن فوريا من السلطات حتى بعد الاعلان عن تصنيف تونس رسميا تحت خط الفقر المائي .و ما زاد الامر تعقيدا هو تواصل قطع الماء في عدد من المناطق بالجمهورية دون سابق اعلام .
فما حقيقة الوضع المائي في تونس ؟
وهل ان قرارات وزارة الفلاحة الجديدة ستكون فاعلة ام ان هناك قطاعات ستسدد الفاتورة ؟
تقدّر الموارد المائية لتونس بقرابة 5 مليار متر مكعب: مياه سطحية كميتها 2575 مليون متر مكعب، ومياه جوفية كميتها 2197 مليون متر مكعب. توفر المناطق الشمالية 80 في المئة من المياه السطحية. وبالنسبة للمياه الجوفية فتتوزع ما بين طبقات جوفية قليلة العمق تقدر مواردها بحوالي 746 مليون متر مكعب، يتواجد أغلبها في الشمال (49 في المئة) ثم الوسط (33 في المئة)، وتبلغ نسبة استغلالها أكثر من 117 في المئة بواسطة أكثر من 111 ألف بئر سطحية. أما المياه الجوفية العميقة فتناهز 1400 مليون متر مكعب - نصفها تقريباً غير متجدد - تتركز أساساً في الجنوب (60 في المئة) وتستخرج عبر أكثر من 30 ألف بئر ارتوازي بنسبة استغلال تناهز 120 في المئة.
وبالنسبة للبنية التحتية الهيدروليكية، فنجد أكثر من 1200 وحدةٍ موزعة كالآتي: 37 سداً، 258 سداً جبلياً، و913 بحيرةً جبلية، بالإضافة إلى 19 محطةً لمعالجة المياه، و15 محطةً لتحلية المياه الجوفية، ومحطةً واحدة لتحلية مياه البحر. في حين يبغ طول شبكة توزيع المياه أكثر من 55 ألف كيلومتر.
تستأثر الفلاحة بـ 80 في المئة من المياه المسحوبة، والصناعة بـ 5 في المئة، والسياحة بـ 2 في المئة، وتذهب البقية - 13 في المئة - للشرب والاستعمال المنزلي. وزارة الفلاحة هي الفاعل الرئيسي في إدارة المياه في تونس، أساساً عبر شركة استغلال قناة وأنابيب مياه الشمال، والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد) والديوان الوطني للتطهير (أوناس) وإدارة الهندسة الريفية ومجامع التنمية الفلاحية.
ووفق تقارير رسمية يحدد نصيب الفرد الواحد من الماء في تونس اليوم بأقل من 400 متر مكعب في السنة، والنسبة مرشحة للانخفاض في السنوات المقبلة، لتصل إلى 350 متراً مكعباً سنوياً، أي أقل 50 في المئة من الكمية الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية، والمتراوحة بين 750 و900 متر مكعب سنوياً.
كما يشكو أكثر من 300 ألف مواطن في تونس من غياب الربط بالماء الصالح للشرب.
هذا، وتتفاوت نسب الربط بين جهات البلاد، حيث تتراوح النسبة بين 28 في المئة و44 في المئة في ولايات الوسط الغربي، في حين تصل إلى 100 في المئة في العاصمة والولايات الساحلية.
هذه تقريبا صورة عامة بالأرقام و الاحصائيات عن الوضع المائي في تونس نواقيس الخطر دقت و دقت لتعلن أخيرا وزارة الفلاحة والموارد المائية عن جملة من القرارات و تتمثل في تحجير استعمال استغلال مياه الشرب عبر شبكة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه في الأغراض الفلاحية وري المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسل السيارات.
مع اعتماد نظام حصص ظرفي للتزويد بالمياه الصالحة للشرب الموزعة عبر شبكات الصوناد لكافة المستعملين خلال الفترة الممتدة من 29 مارس 2023 إلى غاية موفى سبتمبر 2023.
وقالت الوزارة إنّ كلّ مخالف لمقتضيات هذه القرارات يعرّض نفسه للعقوبات المنصوص عليها بمجلّة المياه وخاصة الفصل 158 منها والفصل 44 من الأمر الحكومي عدد 157 لسنة 2017 المؤرخ في 19 جانفي 2017 المتعلّق بالمصادقة على نظام الإشتراكات في الماء الصالح للشرب.
هذه القرارات رغم تأخرها من شانها ان تحد من الاستعمال المفرط للمياه فعلا لكنها من الواضح انها ستتسبب في ضرر عدد من القطاعات مثل قطاع غسيل السيارات الذي يعتمد بالأساس على استعمال الماء لضمان تواصل نشاطه .
فهل فكرت الدولة في حلول لهذا القطاع قبل اصدار القرارات ؟
و هل ان الاعتماد على تقنية التنظيف باستعمال البخار يمكن ان تطبق في تونس و هل من إمكانية لتعويض المستثمرين في قطاع غسيل السيارات و اعانتهم على انقاذ مشاريعهم خاصة ان عددا منهم لايزال يحمل أقساط البنوك ؟
أسئلة أخرى عديدة اثارتها قرارات وزارة الفلاحة الأخيرة و لاتزال لعل من بينها
كيف سيكون تصرف البلديات منسجما مع قرارات وزارة الفلاحة و الحال ان اغلب شاحنات البلديات مجهزة بخراطيم مياه لضمان التنظيف المحكم ؟
و ما مصير ملاعب كرة القدم و المساحات المعشبة عموما و التي دفع لتهيئتها أموال طائلة ؟
فلننتظر في الأيام القادمة التبعات الاخرى لهذه القرارات خاصة في هذا الظرف الاقتصادي و الاجتماعي الصعب الذي تعيشه تونس .
ايناس
التعليقات
علِّق