هل يمكن الحديث عن " سياحة عربية " في ظلّ حدود مغلقة بين أغلب بلدان العرب؟

هل يمكن الحديث عن " سياحة  عربية " في ظلّ حدود مغلقة بين  أغلب بلدان العرب؟

استضافت تونس مثلما نعلم المنتدى العربي للإعلام السياحي في دورته الأولى تحت شعار " دور الإعلام في تطوير السياحة العربية البينية". ولا شكّ أن هذه المبادرة طيبة وتستحق الاهتمام والتنويه . لكن في المقابل نريد أن يذهب المنتدى من هنا فصاعدا وأن ويذهب المسؤولون العرب إلى " بيت الداء " في الموضوع كلّه  وهو يتلخّص في سؤال وجيه : لماذا لا يتنقّل العرب بين البلدان العربيّة بكل حريّة حتى  نقول حقيقة إنها سياحة عربيّة على غرار ما يحدث بين دول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال؟.

وقبل الإجابة عن هذا السؤال تفيد  أرقام المنظمة العالمية للسياحة بأن  18 مليون سائح زاروا السعودية في السبعة الأشهر الأولى من سنة 2022 . وجاءت الإمارات في المرتبة الثانية بـ 14.8 مليون سائح  والمغرب في المركز الثالث بـ 11 مليون سائح في نفس الفترة فيما تراجع لبنان والعراق واليمن وفلسطين إلى مراكز متأخرة.

الأرقام سالفة الذكر  أظهرت غياب وجهات سياحية   على غرار   بيروت وصيدا في لبنان  و قلعة حلب وتدمر وطرطوس واللاذقية  بسوريا  إذ لم تعد وجهات مفضلة للسائحين مثلما اشتهرت من قبل بسبب ما تعانيه تلك البلدان من اضطرابات ومشاكل  سياسية  بينما استحوذت وجهات سياحية أخرى على الصدارة.

ويقول  البعض إن  القطاع السياحي يشكّل أحد الروافد والمصادر الرئيسية للدخل والتوظيف في بلدان عربية عدة.  إلا أن  هذا  القطاع دفع ثمنا مضاعفا  وباهظا في بعض البلدان التي تعاني قلاقل سياسية ونزاعات عسكرية وأزمات اقتصادية طاحنة.

 ويرى أصحاب هذا الرأي أن التحول في خريطة السياحة العربية سببه النزاعات والحروب والقلاقل السياسية والضغوط الاقتصادية في بعض البلدان  مقابل ظهور بلدان أخرى حققت قفزات سريعة واستطاعت أن تتخطى الأزمات الكبرى  كالسعودية والمغرب وتونس ومصر   وأن عودة النشاط السياحي في البلدان العربية التي تشهد نزاعات وحروبا  أمر مستبعد  في المدى القريب العاجل.

ولا شكّ أن كلّ هذا صحيح بنسب كبيرة . لكن إن هذه الأسباب هي التي تحول وحدها دون تنقّل المواطنين العرب بين البلدان العربية ؟.

إن الإجابة تقتضي شيئا من الموضوعيّة حتى نقف على الحقيقة كاملة فيذهب بعد ذلك صنّاع القرار إلى معالجتها إن أرادوا ذلك طبعا. فالمشكل الحقيقي الذي يمثّل العائق الأكبر أمام سياحة المواطنين العرب في البلدان العربيّة هو التأشيرة وبكل بساطة كل ما يحيط بالتأشيرة. ففي الوقت الذي أزال الاتحاد الأوروبي تقريبا كافة الحدود بين بلدانه فأصبح تنقّل المواطن الأوروبي من أي بلد أوروبي إلى أي بلد أوروبي لا شرط فيه ولا قيد ولا تأشيرة ولا هم يحزنون طلّت العديد من البلدان العربيّة تتشدّد في هذه المسألة وتجعلها أصعب من شهادة نيل الدكتوراه في مادة علوم الفضاء... بعض البلدان العربية كانت قديما تستقبل " الأشقاء " العربية دون تأشيرة. وبفضل تأثير السياسة أو سياسة بعض المحاور تراجعت تلك البلدان وباتت تمنح التأشيرة لمن تريد وتمنعها عمّن تريد... ولنا في هذا المجال أمثلة عديدة ربما ليس المجال مناسبا لذكرها.

وحتى في  المنطقة الواحدة ( المغرب العربي مثالا ) فنجد أن التونسي يسمح له بدخول التراب الجزائري بلا تأشيرة بينما لا يسمح للمغربي إلا بالتأشيرة ... وكذلك الأمر حتى في بعض بلدان الخليج في ما بينها خاصة منذ أن برزت بعض المشاكل السياسية التي قسّمتها تقريبا إلى " حلفين " أو محورين اثنين.

وأكثر من هذا فقد رفعت بعض البلدان الغربية كافة القيود ( بما فيها التأشيرة ) على شعوب بعض بلدان الخليج ليدخلوا تلك البلدان مثلما يدخلها الأوروبيون . أما نحن العرب فما زلنا نزن الأمور بميزان السياسة والخلافات ولا ننظر إلى الأمر على أنه يهم الشعوب أكثر من حكّامهم وعلى أنه أمر اقتصادي بامتياز.

وعلى هذا الأساس نجدد مرة أخرى الدعوة لكافة أصحاب القرار وإلى كافة وسائل الإعلام في العالم العربي لتناول هذا الموضوع بكل أبعاده عسى أن تفتح الحدود يوما للعرب كي يزوروا بلدانهم ويتعرّفوا على الكمّ الهائل من المخزون الحضاري والتاريخي الذي يجهله أغلبنا للأسف الشديد.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق