هل انقاذ نداء تونس مازال ممكنا؟

هل انقاذ نداء تونس مازال ممكنا؟

كتب : ابراهيم الوسلاتي
يبدو انّ القيادة الحالية لنداء تونس لم تستوعب بعد الدروس من هزائمها المتكرّرة في الاستحقاقات الانتخابية والتي كانت منتظرة من طرف كل عارف فهيم بالأوضاع السياسية في تونس عامّة وبوضع الحزب الرئاسي خاصة وما وصل اليه من حالة تشرذم و انحدار لأسباب معلومة...فبعد تفريطه في مقعده في ألمانيا لصالح مترشح "مستقل" ولكن مسنود من عديد القوى السياسية وبسبب تقديم مرشحين منافسين خرجوا من صلبه نكاية في قيادته الحالية...خرج علينا قياديوه مبشرين بفوز كبير في الانتخابات البلدية يعيد حزبهم الى صدارة افتقدوها لفائدة خصمهم وغريمهم التقليدي، حركة النهضة، والتي لطالما تبجحوا بسياسة التوافق معها وراهنوا على مساندتها ودعمها خاصة من خلال تمرير مشاريع قوانين كانت أحيانا ضد قناعات أغلب مناضليها...ولكن السياسة هي أخذ وعطاء بل هي أخذ أكثر منها عطاء و هي مصالح تعلو أحيانا المصلحة العليا للوطن والاستحقاق الانتخابي هو فرصة للتمكّن والتمكين وتلك سياسة توختها حركة النهضة لاستعادة موقعها في صدارة الخارطة السياسية موظفة التوافق لخدمة مصالحها وهو أمر مشروع في اللعبة السياسية التي لا تخلو من المناورة و المواربة والمناكفة ونجحت حركة الغنوشي الى حد كبير في ذلك فحرصت كما لم يحرص أي حزب آخر على تنظيم الانتخابات البلدية في موعدها المحدّد و حتى التأخير المتواتر كان في صالحها لأنّها استعدت كما ينبغي و لم تترك لا شاردة ولا واردة ولعبت كما يقال في لغة كرة القدم على قوّة خصمها حيث بوّأت عديد النساء السافرات على رأس قائماتها الانتخابية واستمالت عديد الوجوه التجمعية التي شكلت المخزون الانتخابي لنداء تونس سنة 2014 فضمّتها الى قائماتها لتضمن بذلك الفوز بأغلب البلديات ووضعت في صدارتها المجالس الكبرى مثل تونس وصفاقس وكان لها ما أرادت ...
في الأثناء كان الحزب الذي كان الأوّل يعمه في غيّه واثقا في تنبؤات مكاتب سبر الآراء التي بوأته المرتبة الأولى من خلال عمليات مغشوشة هدفها توجيه الرأي العام الوطني والحال أنّه كان عليه الاعتماد أكثر على قدراته الذاتية، ان كانت ماتزال له قدرات، بدءا بإجراء تقييم موضوعي و نقد ذاتي لأخطائه ما خفي منها وما بطن وصولا الى إعادة النظر في تركيبة القيادة الحالية ومراجعة هيكلة الحزب واستعادة قيادييه ومناضليه الذين ابتعدوا عنه كرها أو طوعا...وبطبيعة الحال تنظيم مؤتمره الانتخابي طبقا لمعايير موضوعية لا اقصاء فيها ولا تهميش...
ولكن طلعت علينا قيادته مرّة أخرى لتبحث عن مبررات واهية للهزيمة و تعلّق فشلها على الاخرين...فكانت الحكومة ورئيسها أوّل المستهدفين بالنقد والانتقاد وصل الى حدّ المطالبة برأس يوسف الشاهد المتسبب الرئيسي في فشل نداء تونس في الانتخابات البلدية حسب زعيم الحزب حافظ قائد السبسي هو القيادي في النداء ورئيس لجنة 13 التي أعدّت ما يسمى بمؤتمر التوافق في سوسة يومي 9و10 جانفي 2016...ففشل الحكومة ورئيسها بالذات هو فشل لحزبه الذي اختاره والذي يتحوز على عدة مناصب وزارية في الحكومة الحالية وبالتالي فان الفشل مضاعف في مثل هذه الحال...والفشل ان كان سببا من الأسباب فهو ليس الوحيد
ثم انبرى المسؤول عن السياسات في النداء برهان بسيس في تدوينة "طويلة وعريضة" لم أستوعب جميع معانيها بالقدر الكافي تحت عنوان "مناورة بذخيرة حيّة أم نذور قطيعة حقيقية؟؟"...ليتحدث عن "مرحلة فرز حقيقي يطل على ملامح زمن جديد بين خيارين إما اعادة إنتاج نفس التوزيع للقوى الوازنة المتآلفة منذ عقد 2014 بين حركة النهضة التعبيرة الرئيسية للإسلام السياسي في تونس وحركة نداء تونس التعبيرة المفترضة للتيار الوطني العلماني وقوى ما سمي بالنظام القديم و الاتحاد العام التونسي للشغل الإطار التنظيمي التاريخي للحركة الاجتماعية التونسية ، واما انفراط هذا العقد في سياق ما اصطلح إعلام المرحلة تسميته بنهاية التوافق و عودة مناخ المواجهة السياسية لتكون عنوان السنة الأخيرة من العهدة الرئاسية والتشريعية التي أنتجتها انتخابات 2014."
وما فهمته ، أن بسيس يحمّل "نهضة الغنوشي...المزهوة بانتصاراتها التكتيكية" (والكلام له) سبب فشل حزبه في المحافظة على الصدارة حيث "طفقت تتحدث"، وفقا لما جاء في تدوينته " عن نهاية ورقة الباجي قايد السبسي بما يسمح باستضعافه واستضعاف آل بيته السياسي"...
مثل هذا الخطاب لن يبرّر الفشل الذريع لحزب آمن به الآلاف المؤلّفة من المواطنين والمواطنات فعجز عن الحفاظ على الحد الأدنى من الثقة بينه وبينها فكان أن خسر قرابة المليون صوت منها ما ذهب للمستقلين ومنها ما راح الى الأحزاب التي ولدت من رحمه ومنها من لم يتجشّم عناء التنقّل الى مكاتب الاقتراع لأنّه فقد الأمل في حركة راهن عليها وانخرط فيها بوعي وعلى أساس مبادئ وبرامج حادت عنها مباشرة إثر فوزها في الانتخابات التشريعية خلال شهر أكتوبر 2014.
سوف لن أتحدّث عن طريقة اختيار المرشحين سواء في الانتخابات التشريعية أو في الانتخابات البلدية حيث لم يقع اعتماد مقاييس موضوعية مثل الكفاءة والاشعاع والاقتدار بل كانت في غالبيتها مبينيه على العلاقة الشخصية مع الفاعلين في الحزب و على درجة القرابة من هذا أو ذاك...ولن أتحدث عن الانتدابات التي قامت بها الحركة لعزيز صفوفها والتي كانت في غالبيتها فاشلة بكل المقاييس...ولا عن الخيارات التي لم تكن صائبة في أغلبها مثل الاتفاقية الممضاة خلال شهر رمضان ما قبل الفارط بين الكتلتين أو الجبهة التي ولدت ميتة بين النداء والنهضة والوطني الحر اثناء التوافق على رئيس جديد لهيئة الانتخابات سرعان ما تبيّن سوء الاختيار والنهاية كانت استقالته من منصبه اثر العريضة التي تقدّم بها أعضاء الهيئة لإعفائه....
هذه الأسباب وغيرها جعلت الحزب الذي علّقت عليه غالبية التونسيين الآمال عريضة يتقهقر بشكل سريع ومفزع...
ويتساءل البعض هل ما زال الأمل قائما لاستعادة نداء تونس توازنه قبل الاستحقاقات القادمة؟ شخصيا أقول نعم ولكن بشروط يجب قبولها من طرف الجميع وفي مقدمتها القيادة الحالية وهو ما يتطلب تدخلا شخصيا من طرف الرئيس المؤسّس الباجي قائد السبسي إذا أراد فعلا انقاذ ما تبقّى من حزبه وإعادة التوازن الى الساحة السياسية التي قد تفتقدها سنة 2019 وذلك بتوسيع الاستشارة حتى لا تبقى حكرا على نفس الأشخاص الذين منهم من كان سببا مباشرا في الأزمة قبل أن يختار الانسلاخ من الحركة وتأسيس حزبه الخاص...
قد تسألونني عن الشروط...أجيب بأنّني لا أرى نفسي مؤهّلا لتحديدها رغم أنّني انتميت الى المكتب الوطني للحزب قبل أن أبتعد بصفة ارادية مباشرة إثر مؤتمر سوسة...
طبعا هذا الرأي يلزمني كملاحظ وكمتابع للشأن السياسي...لا غير...
إبراهيم الوسلاتي

التعليقات

علِّق