هل أصبح أعوان قباضات المالية في تونس " باندية " على الدولة وعلى اتحاد الشغل وعلى القانون وعلى خلق الله أجمعين ؟؟؟

مرّة أخرى يفعلها أعوان قباضات المالية في تونس فيقررون إضرابا ثانيا بعد أن ظلّوا طيلة الأسبوع الماضي مضربين عن العمل مع كل ما ترتّب عن ذلك من تعطيل لمصالح الناس في كافة أنحاء البلاد وحرمان الدولة من إيرادات عمليات تسجيل العقود وبيع الطوابع الجبائية والتصاريح على الدخل ومختلف العمليات التي لها علاقة بدفع الأموال لفائدة خزينة الدولة .
ولعلّ الغريب في هذا الإضراب الثاني الذي انطلق اليوم الاثنين ولا أحد يعرف متى ينتهي أن لا أحد تبناه سوى النقابة الأساسية لأعوان المالية . فجامعة المالية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد ممثلا في قيادته تبرّأ كلاهما من هذا الإضراب الذي يصبح تبعا لذلك غير قانوني وغير دستوري إن شئنا . ومع ذلك ما زالت النقابة الأساسية تصرّ على المضي قدما في الإضراب وبالتالي في الإضرار بالناس وبالدولة وبأعوان المالية الذين قيل إنهم لا يساندون هذا الإضراب ويرغبون في الالتحاق بعملهم لكن بعض " النقابيين " يمنعونهم من ذلك .
وبما أنه لا أحد تقريبا يعترف بهذا الإضراب فإن العديد من الأسئلة ومن نقاط الاستفهام تفرض نفسها في هذا الإطار. أوّلا : نعيدها ونكرّرها هل أصبح اتحاد الشغل عاجزا عن كبح جماح النقابات التي تنضوي تحت لوائه ؟. هل استضعفت هذه النقابات الدولة فأصبحت تفعل كل ما تريد وهي تدرك أنها بعيدة عن المحاسبة والعقاب ؟. إلى متى ستبقى الدولة في وضع المتفرّج في هذه الحالة بالذات خاصة أن الاتحاد الذي تخشاه يقف إلى جانبها والشعب الذي تخشاه يقف إلى جانبها ؟. ألم يحن الوقت لتسخير أعوان في كافة القباضات عسى أن يقدّموا للمواطنين الحد الأدنى على الأقل من الخدمات ؟. ألم يحن الوقت ليتحرّك الاتحاد بكل قوته " لردع " هذه النقابات المارقة وعدم الاكتفاء بالإعلان عن رفض الإضراب وعدم تبنيه ؟.
وفي انتظار أن تتحرك الدولة وأن يتحرك الاتحاد دعونا نسرد عليكم هذه الحادثة التي جدت هذا الصباح وهي تلخّص تقريبا إلى أي مدى من الاستهتار واللامبالاة وصلنا في هذه البلاد من بعد الثورة . ففي ظل هذا الإضراب العام لاح بصيص أمل صغير من خلال قباضة مالية بجهة المنزه 9 على ما يبدو فتحت أبوابها هذا اليوم لتقديم خدماتها للناس مبدئيا . ذهبت امرأة لها حاجة أكيدة هناك وتمثّل بالنسبة إليها مسألة حياة أو موت . فهي محكوم عليها بإجراء عملية جراحية خارج البلاد وبصفة لا تحتمل الانتظار. ولأن جواز سفرها لم يعد يفي بالحاجة فهي مطالبة بتجديده فورا مع العلم بأن كافة وثائقها التي تتعلق بالعملية الجراحية جاهزة . ذهبت المرأة لشراء " تمبري " من تلك القباضة ضروري لتجديد جواز السفر بل لا يمكن التجديد إلا بتقديمه مع الوثائق الأخرى التي من بينها أيضا شهادة جبائية من القباضة . إلا أن العاملين هناك رفضوا أن يقدّموا لها الخدمة المطلوبة بدعوى أن المنظومة الإعلامية معطّلة ( وبعض العاملين هناك قالوا إن تعطيلها تم بفعل فاعل منهم ) ... وبالتالي لم تقض المرأة حاجتها ولن تتمكن من السفر وقد تموت لا قدّر الله بسبب تعنّت نقابة المالية وإصرارها على المضي في أيام أخرى إضافية من الإضراب .
وبالطبع تعلمون أن حكاية هذه المرأة ليست فريدة من نوعها . فالمواطن الذي يشتري سيارة على سبيل المثال لا يمكنه أن يستعملها إلا إذا رضيت النقابة عنه لأن كل شيء ( تسجيل العقد وتغيير الوثائق وغيرها ) مرتبط بالقباضة . والمواطن الذي يحتاج إلى استخراج بطاقة التعريف أو استبدالها لا يمكنه ذلك طالما أن قباضات المالية مضربة عن العمل ... ولنا أن نقيس على ذلك مئات الآلاف من الحالات يوميّا والنتيجة واحدة : تعطيل مصالح المواطنين عنوة وبإصرار وتعطيل أو حرمان الدولة من موارد مالية هي في أشدّ الحاجة إليها .
جمال المالكي
التعليقات
علِّق