هذا التونسي مسجون في إيطاليا ظلما لإخفاء المسؤول الحقيقي عن سقوط الطائرة !

هذا التونسي مسجون في إيطاليا ظلما لإخفاء المسؤول الحقيقي عن سقوط الطائرة !
 
 
نعود هذه المرّة إلى موضوع  كتبنا عنه منذ حوالي يومين وأعطينا الخبر المجرّد وهو أن " الشرطة الأوروبية " ألقت القبض في العاصمة النمساوية " فيانّا "  على التونسي منصف الزواري المدير العام لشركة الطيران "  TUNINTER  " سابقا التي أصبح اسمها قبل 14 جانفي 2011 " طيران السابع "  ومن المنتظر أن تسلّمه إلى إيطاليا  التي أصدرت  إحدى محاكمها بمدينة " جنوة " ضده سنة 2009  حكما غيابيا  بالسجن 9 سنوات  باعتبار أنه المسؤول بحكم وظيفته عن حادثة سقوط طائرة تابعة للشركة التي يديرها في البحر وموت 17 شخصا على ما يبدو منهم موتى إيطاليون .
وطبعا هناك معطيات كثيرة وجديدة في الموضوع تفرض العودة إليه بتفاصيل أكثر لكشف الحقيقة وإنارة الرأي العام وحثّ الخارجية التونسية على التدخل لرفع المظلمة عن هذا الرجل .

طائرة جديدة

تفيد  المعلومات  بأن الطائرة المعنية هي من نوع ATR 72-202   التي قامت بأول رحلة لها يوم 12 مارس 1991 واقتنتها شركة " تونتار " بتاريخ 27 مارس 1992. وقد أجريت على الطائرة أربع عمليات تفقّد كانت آخرتها يوم 25 مارس 2005 بمدينة " كاتانيا " الإيطالية  حسب ما أفادت  به سلطات السلامة الجوية الإيطالية . ولم يلاحظ خلال هذه العمليات أن الطائرة تشكو من أي مشكل مهما كان .

يوم الكارثة

يوم 6 أوت  2005 انطلقت  " رحلة الموت "  رقم 1153 من مدينة " باري " في اتجاه جزيرة جربة . وكان على متن الطائرة التي يقودها  الطيّار شفيق الغربي 35 شخصا كلهم يحملون الجنسية الإيطالية باستثناء ميكانيكي ينتمي إلى الشركة كان هناك باعتباره مسافرا عاديا وليس ميكانيكيا . وفجأة توقف محرّكا  الطائرة معا حوالي الساعة الثالثة و 24 دقيقة ظهرا . وفي هذا السياق قال قائد الطائرة  الذي له خبرة 25 سنة في الميدان منها 10 سنوات في هذه الشركة: " لقد فقد المحركان  قوّتهما وكنت مجبرا على النزول بالطائرة إلى البحر .".  وفي الساعة الثالثة و 30 دقيقة اتصل طاقم الطائرة ببرج المراقبة بمطار " باليرمو "  وطلب السماح له بالقيام بعملية هبوط اضطراري ومستعجل .

موافقة ولكن ....
وعلى الفور وافقت سلطات المطار على الطلب . إلا أن الطائرة لم تكن لها القدرة على الوصول إلى المطار . وقد وجد الطيار نفسه  مجبرا على النزول بالطائرة في البحر . وحسب الخبراء فقد نجح في الهبوط بها  حسب زاوية مثالية ( 9 درجات ) وهذا ما يفسّر نجاة البعض من المسافرين بالرغم من أن الطائرة قسمت إلى 3 أجزاء بمجرّد أن ارتطمت بالماء  على الساعة الثالثة و 40 دقيقة على بعد حوالي 20 كيلومترا  من سواحل cap Gallo .

الحصيلة ؟

تحطمت إذن الطائرة  ونزل الصندوقان الأسودان إلى عمق حوالي 1500 متر . أما المحرّكان اللذان بقيا يسبحان على سطح الماء فقد تمت استعادتهما  وحملا إلى مطار " باليرمو" .  وأما في ما يتعلّق بالأشخاص الموجودين بالطائرة وعددهم الجملي 39 فقد توفي  منهم 16 شخصا  بينهم طفلان يبلغان على التوالي عامين و 8 سنوات  وتوفي كذلك شخصان من طاقم الطائرة . ولم يعثر بعد ذلك على 3 ضحايا  ومنهم الميكانيكي التونسي . وخلال عمليات جمع حطام الطائرة التي  تمت بين 27 أوت و 2 سبتمبر طفت على السطح جثث المفقودين الثلاثة . ومباشرة إثر إعلامهم بالحادث انتقل أعوان  النجدة إلى المكان بسرعة وتمكنوا من إنقاذ المسافرين الذين استطاعوا أن يتفادوا الحطام وأن يتسلّقوا جناحي الطائرة اللذين ظلّا عائمين  ساعات طويلة بعد الحادثة. وقالت وكالة تونس إفريقيا للأنباء آنذاك إن وحدات من الجيش والحرس التونسيين شاركت في عملية الإنقاذ  إلى جانب  الطرف  الإيطالي .

ماذا في الأبحاث ؟

أثبتت الأبحاث التي أجراها خبراء من إيطاليا وتونس وفرنسا أن الطائرة أقلعت من تونس وحطّت بمطار " باري " . عند هذه النقطة كان بخزّاني الطائرة 305 لترات  من " الكيروزين " . وكان من المفروض أن يدق ناقوس الإنذار نظرا إلى أن هذه الكمية الضعيفة لا تكفي.  إلا أن آلة القيس ( jauge ) سجّلت آنذاك أن خزّانات الطائرة كانت بها 2300 لتر من  " الكيروزين " . وبناء على ذلك قرر الطاقم أن لا يزيد إلا 265 كيلوغراما  من الكيروزين  الإضافية  للتحوّل إلى جربة . وفي الجملة  صار  للطائرة واقعيا 570 كلغ وهي كمية لا تكفي مطلقا لقطع  المساقة بين " باري " وجربة وكانت آلة القيس قد سجّلت 2700 كلغ . وإضافة إلى هذا لم يتلق الطاقم أي إنذار يفيد بأن الكمية غير كافية خلال كامل الرحلة . وقد استنتج الخبراء أن سبب هذه  " اللخبطة " هو تثبيت Jauge مصمّم ليكون في طائرة أصغر من نوع ATR 42  وليس من نوع ATR 72  وهذا ما أدى إلى ذلك الخطأ الفظيع في تسجيل كمية خاطئة  من الكيروزين . وطبعا فقد توقف المحركان معا وهما لا يتوقفان عادة إلا إذا انتهت كمية الوقود ...  وأثبتت التحقيقات على ما يبدو أنه كان باستطاعة الطائرة أن تبلغ مطار  " باليرمو " لو أن طاقمها لم يضيّع الكثير من الوقت في محاولة إعادة تشغيل المحركين .

المحاكمة

يوم 23 مارس 2009  وفي محكمة  " باليرمو " صدرت أحكام على كافة المتهمين فنال قائد الطائرة ومساعده 10 سنوات سجنا وحكم على المدير العام للشركة منصف الزواري والمدير الفني  زهير شتوان بالسجن 9 سنوات  وحكم على مسؤولين اثنين من مصلحة الصيانة وعلى ميكانيكي بالسحن 8 سنوات . وقد تمت مؤاخذة طاقم الطائرة على عدم محاولة الوصول إلى " باليرمو" . ولئن قوبلت هذه الاحكام بالرضا من قبل عائلات الضحايا والناجين أيضا فقد أثارت زوبعة من ردود الأفعال في تونس . وقد احتجت  الجامعة الدولية لجمعيات قادة الطائرات على هذه الأحكام واعتبرتها جائرة .
واعتبرت الصحافة العالمية أو أغلبها على الأقل أن هذه المحاكمة  سابقة في العالم  وفي تاريخ الطيران لأنها أدت ولأول مرة إلى الحكم على مسؤولين بشركة طيران بالسجن . وفي نفس الوقت تم إخلاء مصنّع الطائرة الفرنسي الإيطالي من المسؤولية  بالرغم من إثبات أنه لا يمكن تركيب قطع على غير الطائرة التي صممت لها .
ويذكر أيضا في نفس السياق أن الشركة قامت قبل المحاكمة  بصرف مبلغ يناهز 22 مليارا تعويضا لعائلات الضحايا .
ولعل الجدير بالذكر أيضا أن المدير العام وفي ظل حكم  غيابي  ضده ظل هاربا في تونس التي لم يغادرها إلا بعد الثورة وقد  قبض عليه  يوم الأحد الماضي بمدينة " فيانّا " . وتطرح هذه القضية مثلما قلنا  العديد من الغموض ونقاط الإستفهام . فبالرغم من ثبوت أن السبب الرئيسي في حصول هذه الكارثة هو آلة قيس الوقود التي تم تركيبها على الطائرة بالرغم من أنها مصممة لطائرة أقل حجما  وبالرغم من أنه اتضح أن تلك الآلة هي التي غالطت طاقم الطائرة فقد صدرت الأحكام قاسية وقاصمة في حقّ  كافة  " المتّهمين " . وحتى لو فرضنا أن طاقم الطائرة مذنب فما هي المسؤولية التي يتحملها المدير العام وهو الذي يبدو أنه اشترى طائرة  أثبتت وثائقها أنها في حالة جيدة وليس فيها ما يعيق عملها أو يمثّل أي خطر من استعمالها .

إلى وزير الخارجية

ولكل ما سبق ونظرا إلى أن هذه المعطيات تفيد بأن السيد منصف  الزواري ليس مسؤولا عن خطأ  لم يرتكبه ويعود  سببه إلى عيب في التصنيع فإن المطلوب من وزارة الخارجية أن تبذل كل ما في وسعها من أجل مساعدة هذا الرجل  على نيل براءته في أسرع وقت ممكن. وبما أن السلطات النمساوية قد أفرجت عليه مؤقتا في انتظار ترحيله إلى إيطاليا  نظرا إلى حالته الصحية الصعبة جدا فإن الوقت ما زال صالحا  للتدخل خاصة أن بعض رجال القانون التونسيين أكّدوا أن الإمكانية الوحيدة التي يمكن  اعتمادها هي التدخل لدى الرئيس الإيطالي لأنه الوحيد الذي يملك سلطة العفو حسب القوانين الإيطالية بما أن الحكم أصبح باتّا  وغير قابل للطعن . وليست هذه دعوة إلى التدخل في القضاء الإيطالي  بل هي فقط دعوة إلى الإنصاف لأن كل المعطيات تدلّ أن الرجل مظلوم .

 
جمال المالكي

التعليقات

علِّق