مونديال 2022 : قطر الرابح الأكبر الذي فعل ما أراد ونحج في تحقيق كل ما أراد

مونديال  2022 : قطر الرابح الأكبر الذي فعل ما أراد ونحج في تحقيق كل ما أراد

انتهى إذن " مونديال " قطر 2022 وطويت الصفحة . إلا أن الكثير من الأمور المتعلقة بهذا الحدث الرياضي العالمي الأكبر ستظلّ عالقة في الأذهان وإلى وقت طويل.

وبقطع النظر عن موقف كل واحد منّا من حكّام قطر ( وهذا أمر معروف وأصبح أكثر وضوحا  بعد الثورة ) علينا أن ننظر إلى هذا الحدث من زاوية رياضيّة بعيدة عن السياسة ومتاهاتها ومتاعبها وأغوارها العميقة. فهذه النسخة من كأس العالم تميّزت على كافة النسخ الماضية وسجّلت أرقاما لم تسجّلها النسخ الماضية منذ دورة 1930 بالأوراغواي إلى دورة روسيا 2018. لا نقول هذا جزافا وإنما هناك وقائع شهد به القاصي قبل الداني وأولهم رئيس الجامعة الدولية لكرة القدم " إنفانتينو " الذي أكّد أن مونديال قطر هو الأفضل على الإطلاق وإن قطر من خلال هذا النجاح الباهر " رفعت الحاجز عاليا جدا " ووضعت البلدان الأخرى  التي ستنظّم المونديال في حرج ومأزق حقيقيّين إذا لم يعد مسموحا على أي بلد منظّم أن ينزل دون المستوى الذي بلغته قطر.

* تقاليد وعادات وشخصيّة

 بما أن التنظيم كان فيه الشرف لدولة عربية مسلمة فقط تمكّنت قطر من فرض الكثير من الأشياء التي كانت تعتبر عادية في بلدان أخرى ومنها على سبيل المثال أنها منعت تناول الخمور في الملاعب ومحيطاتها ومنعت رفع شعار المثليين الجنسيين ومنع اللباس الذي يبالغ أصحابه في التعرّي والاستفزاز. إلى جانب ذلك قامت قطر بافتتاح كأس العالم بآيات من القرآن الكريم من خلال تلك الصورة الرمزية التي شاهدها كل العالم في كافة القارات. واستطاعت قطر كذلك أن تفرض على كافة زائريها احترام الهوية القطرية والعادات القطرية ممّا جعل كافة الزائرين تقريبا منبهرين بما وجدوه في هذا البلد.

* الأمن أوّلا والأمن أخيرا

على غرار ما يحدث في كافة التظاهرت الرياضية العالمية الكبرى كان هناك تخوّف من إمكانية حدوث  بعض العمليات التي قد تخلّ بالأمن وتهدد سلامة الزائرين والقطريين على حدّ السواء.ولأن الأمور تمّ التخطيط لها بكل تفاصيلها والاحتياط لكل الاحتمالات الواردة فقد مرّ كل شيء بسلام ولم تسجّل أية حادثة في السرقة أو العنف أو الإرهاب لا قدّر الله باستثناء حادثة سرقة وحيدة  تعرّضت لها سيدة أجنبية تم  نشل حقيبتها   اليدوية  وسط آلاف مؤلفة من الحشود البشرية   لكن الأمن أعادها إليها خلال دقائق  معدودات.

* التكنولوجيا وما أدراك ؟

في هذه الدورة من كأس العالم تم استخدام أحدث ما توصّلت إليه التكنولوجيا في كافة المجالات ( النقل والأمن وتنقّل الوفود الرسمية وتنقّل الجماهير وتنظيم الدخول في المطارات وتنظيم الدخول إلى  الملاعب والساحات ... وزيارة المواقع التراثية والأسواق القطرية إلى غير ذلك .). وقد كان ذلك عنصرا مهمّا سهّل كل شيء فلم يلاحظ من زار قطر أي نوع من التعقيد الإداري أو التنظيمي أو أي نوع من التعطيلات.

* التسويق على أعلى مستوى

في هذه الدورة المتميزة خطّط القطريّون للعديد من الأمور ونجحوا في بلوغ أهدافهم أيّما نجاح. وعلى سبيل المثال دعونا نأخذ تلك اللقطة التي طافت العالم كلّها في لحظات وقال البعض معلّقا إنه " صدفة  " ورفضها البعض بتعلّة أن الأمر تم فرضه على اللاعب " ميسي " على حين غفلة وأقصد هنا عندما أهداه أمير قطر خلال لحظات التتويج  العباءة القطرية أو " البشت " مثلما يقل في قطر. فقد تأكّدنا  بما لا يدع مجالا للشك أن اللقطة لم تكن عفويّة وأنها كانت مبرمجة لتلك اللحظات بالذات وأنه في صورة فوز فرنسا فإن اللاعب " مبابي " هو الذي كان سيرتدي تلك العباءة ومعنى هذا أن الحكاية كانت في البرنامج وأن ميسي كان على علم بها ولم تفاجئه مطلقا لذلك قبل وارتدى العباءة وكان ما كان ونجحت قطر من خلال تلك اللقطة في تسويق  واحدا من لباسها المميز.

ولعلّ ما لا يعرفه البعض أنه تم بيع أكثر من 20 ألف عباءة من ذلك النوع خلال الأربع والعشرين ساعة التي تلت تتويج الأرجنتين بكاس العالم اشتراها أرجنتينيون طبعا لا لشيء إلا لأنهم رأوا بطلهم ميسي وهو يرتديها  تحت أنظار العالم كلّه.

* تغيير  الصورة المغشوشة للمواطن العربي

خلال السنوات والعقود الماضية وتحديدا بعد أحداث نيويورك  ( سبتمبر 2001 ) لم يدّخر بعض الإعلامي الغربي والصهيوني أي جده من  أجل ترسيخ صورة نمطيّة عن المواطن العربي والمسلم عموما. فحسب هذا الإعلام الموجّه فإن العربي المسلم عبارة عن خيمة في الصحراء وجمال ترعى وجنس وأبناء بلا عدد وزوجات بلا أية قيمة أو دور إلا الإنجاب ... ثم وأهم ما في الصورة الإرهاب ...إلى درجة أن بعض المجتمعات باتت على قناعة بأن العربي يساوي أوتوماتيكيا الإرهاب. ولا شكّ أن كل ما زاروا قطر خلال حوالي شهر( وبعضهم جاء قبل الحدث ورحل بعده ) تغيّرت لديه الفكرة من النقيض إلى النقيض . هؤلاء الزوار لم يروا في طريقهم أي " إرهابي " ولم يتملّكهم الخوف والرعب من أي احتمال لوجود أي إرهابي في أي مكان. وعلى عكس ما كان بعضهم ربّما يظنّ فقد وجدوا أشخاصا يشبهونهم  يعيشون في بلد يشبه بلدانهم ويستخدم كافة أدوات الحياة العصرية مثلهم فلا وجود أصل لتلك  الصورة التعيسة التي عمل جزء كبير من الإعلامي الغربي والصهيوني على ترسيخها في أذهان أبنائه الذين لا يعرف أغلبهم الحقيقة ولا يراد لهم أن يعرفوها أصلا.

خلاصة القول :

إن النجاح الذي حققته قطر في هذه النسخة الفريدة من كأس العالم لا يمكن أن ينكره إلا جاحد أو رافض لأي نجاح يحققه غيره بدعوى أننا " كنّا نعلّمهم ... وكنّا سبّاقين ..وكنّا ..وكنّا ...". وليعلم  هؤلاء جميعا أن علكة " كنّا " لم تعد تجدي نفعا. فإما أن نؤمن بقية التفكير والعمل ونحاول مجددا أن نلتحق بالركب الذي ابتعد عنّا سنوات ضوئية وإما أن نقنع أنفسنا بأن تلك حدود الله فنكفّ عن التبجّح بماضينا ونكفّ عن تقزيم ما يقوم به الآخرون ... وما دمنا هنا في المجال الرياضي فلا بأس من تذكير " عشّاق الماضي " بأن الأمر لا يتعلّق بقطر فحسب وإنما بالمغرب والسعودية والإمارات والجزائر ... وغيرها من البلدان التي كانوا يقولون إنهم علّموها ... ففي هذه البلدان من تجهيزات رياضية وبنى تحتية ومرافق وتنظيم وبرمجة ما يجعلنا نخجل حقّا من  أنفسنا ... فليكن إذن الدرس القطري دليلنا إذا أردنا أن نتدارك أمرنا وأن نلتحق بركب المتقدّمين.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق