مهما كان محتوى المسرحية ليس من حق النقابات الأمنية تقييم الأعمال الفنيّة وليس من حق الأمنيين الانسحاب

مهما كان محتوى المسرحية  ليس من حق النقابات الأمنية تقييم الأعمال الفنيّة وليس من حق الأمنيين الانسحاب

ما حدث ليلة أمس في صفاقس ليس سوى حلقة جديدة من الانزلاق الخطير الذي تشهده بلادنا نحو مصير غير واضح حتى لا نقول كلمة أخرى.

منذ أيام حدث ما حدث في مسرح قرطاج مع الأمين النهدي ... ويوم السبت الماضي فرض جمهور المنستير على إدارة  مهرجانها الدولي إلغاء عرض مسرحية " حسين في بيكين " لمقداد السهيلي بدعوى أنه أساء لبورقيبة ( رمز المدينة ) ... والبارحة ينسحب الأمن من مسرح سيدي منصور بصفاقس ويرفض مواصلة تأمين عرض مسرحية لطفي العبدلّي بدعوى أنه أساء إلى المؤسسة الأمنية ...

وفي محاولة منها لتبرير  ما حصل  قالت  النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي إن محتوى عرض مسرحية لطفي العبدلي  " تحقير واستهداف وترذيل للمؤسسة الأمنية وتجييش ممنهج لضرب الأمن ".

وقد نشرت النقابة على صفحتها الرسمية بموقع تدوينة  جاء فيها  ما يلي:

" ما حدث في صفاقس  هو تحقير واستهداف وترذيل للمؤسسة الأمنية وتجييش ممنهج لضرب الأمن وكل ما حدث هي نتيجة عمل فني منحط يمس من كرامة كل تونسي غيور. نحترم كل فنان مبدع لكن ان يكون بهذا المستوى على الدنيا السلام".

وفي جانب آخر يرى مختصّون في القانون أن دور قوات الأمن العمومي هو السهر على حفظ  الأمن بناء على أوامر وتعليمات من السلط الإدارية المختصة والمخولة قانونا لذلك..وليس دور قوات الأمن   الحكم على القيمة الفنية لأي عمل فني واتخاذ موقف منه بصفتهم تلك وليس من حقهم  ترتيب نتائج قانونية وترتيبية عن ذلك الموقف كإيقاف عرض أو الانسحاب من فضاء العرض... فانسحاب الأمنيين من فضاء عمومي دون قرار رؤسائهم الإداريين   هو عصيان إداري يستوجب زجرا تأديبيا فضلا عن تتبعات جزائية نظرا لخطورة ذلك على النظام العام والأمن العمومي .".

ومهما يكن من أمر ومهما كان موقفنا من لطفي العبدلّي ومن مسرحياته وما يعرضه عموما فمن غير المعقول أن يتصرّف الأمن بتلك الطريقة لعدّة أسباب لعلّ أهمّها :

- تأمين الحفلات والعروض الفنية وكل ما يقدّم للعموم من صلب مهام قوات الأمن ولا فائدة في أن تحاول النقابة أو غيرها أن توهمنا بأن ما تقوم به " مزيّة " أو " خدمة زايدة " مثلما جاء في بيان لإحدى النقابات. فنحن نعرف جميعا أن هذه الأعمال تتم بمقابل مادّي قانوني تستخلصه وزارة الداخلية من الجهات المعنية لتصرفه بعد ذلك على كافة الأعوان والإطارات المشاركين في عمليات التأمين.

- ليس من حقّ أية جهة كانت أن تقيّم عملا فنيّا لأي فنان مهما كان . والجهة الوحيدة التي يمكن لها ذلك هي إدارة المهرجان التي تقرر برمجة عرض ما أو عدم برمجته . فإذا قررت البرمجة فإن على بقية الأطراف أن تقوم بواجبها فقط.

- ليس من حق أي أمني ( فردا أو مجموعة ) أن يحاول منع عرض أي عمل فنّي بدعوى أنه " يسيء إلى المؤسسة " التي يعمل بها . وفي المقابل من حقّه أن يقدّم تظلّما لإدارته أو   دعوى  قضائية  ضد العرض وصاحب العرض إن أراد ذلك.

- إن هذا التصرّف الذي يبدو أنه فردي يشرّع ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام الأمنيين في المستقبل لإيقاف أي عمل فنّي قد لا يروق لبعضهم بدعوى أن ما حصل في صفاقس سيصبح قاعدة ينسج على منوالها الآخرون . وهذا سيفتح الأبواب أمام تطبيق قانون الغاب وليس القانون الذي يفصل بين الجميع.

- إن على النقابات الأمنية أن تكفّ عن نشر المغالطات وعن التحريض ضدّ أي كان مهما كان موقفها منه . فإذا رأت أن ما يقوم به العبدلّي خروج عن الصواب ومسّ من هيبة أو معنويات المؤسسة الأمنية فإن الأمر سهل جدّا : محام جيّد يرفع دعوى قضائية ضدّ المسرحية وصاحب المسرحية مدعّمة بالحجج والوثائق والتسجيلات ... إضافة إلى تقرير " مضروب بالسافود " يوجّه إلى وزارة الداخلية أو الإدارة الأمنية المعنية .

- مرة أخرى نلفت الانتباه إلى خطورة ما يحدث وندعو الجهات المسؤولة إلى وقفة حازمة تضع النقاط على الحروف قبل فوات الأوان.  

شكري الشيحي

التعليقات

علِّق