من يريد إفلاس " وكالة الدخان " ولماذا لم تحاول أية حكومة منذ 2011 إصلاحها والحفاظ عليها ؟

من يريد إفلاس " وكالة الدخان " ولماذا لم تحاول أية حكومة منذ 2011  إصلاحها والحفاظ عليها ؟

كثر الحديث هذه المدة أو لنقل عاد الحديث عن " إفلاس " الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد ... وكالعادة انتصب بعض " خبراء عقاب الزمان " يقدّمون نصائحهم المسمومة التي تصب كلّها ( ويا لعجائب الصدف ) في خانة واحدة وهي  " ضرورة " التسريع ببيعها حتى لا تبقى " وزار ثقيلا على الدولة " ... وحتى تغنم منها الدولة عائدات مهمّة تستعملها في نفقاتها العمومية وديونها المتراكمة.

ولا يخفى على أحد أن هذه المؤسسة التي ظلت طيلة عقود طويلة  تدرّ أرباحا طائلة على خزينة الدولة رغم كل " المصائب " والعراقيل والأشياء الأخرى التي توضع على طريقها باتت منذ سنوات مطمعا لبعض الأطراف التي تعرف قيمتها وتعرف خاصة قيمة ومعنى أن تكون مؤسسة ما تحتكر قطاعا ما دون أن ينافسها فيه أحد.

وبناء على ذلك توالت المحاولات الرامية إلى التفريط فيها بأية طريقة كانت. ويبدو أن كافة الطرق جرّبت فلم تجد نفعا فلم يبق سوى الطريقة التقليدية المعروفة : العمل ليل نهار على إفلاسها = نزول قيمتها المالية في السوق = بيعها للخواص بأبخس الأثمان.

ومع التأكيد أن هذه المؤسسة ملك عمومي ومصدر مهم جدا في ميزانية الدولة وضرورة أن تبقى " خزّان الدولة " وليس الخواص نقدّم بعض المعطيات عن ملف هذه المؤسسة وهي معطيات مختصرة قدر الإمكان لأن ما يدور حولها لا تكفي لذكره كتب ومجلدات.

* منذ عهد الاستعمار

الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد هي  وكالة وطنية تونسية  و الوحيدة في  إنتاج وتسويق التبغ والوقيد أو الكبريت  وأوراق اللعب وبارود بنادق الصيد.
تم تأسيس الوكالة  سنة  1891 تحت الاستعمار الفرنسي  وتم تحويلها إلى وكالة وطنية سنة 1964 . واندمجت منذ عدة سنوات مع مصنع التبغ بالقيروان الذي أسس سنة 1981  .
وتعتبر الوكالة من أكبر الشركات التونسية حيث تشغل بطريقة مباشرة  حوالي 3000  شخص وبطريقة غير مباشرة 000 22 شخص في المقرين الرسميين بكل من تونس العاصمة والقيروان .
ترتبط الوكالة بقطاع زراعة التبغ التونسي  حيث تقوم بشراء ما يتم إنتاجه من قبل   أكثر من 9000 مزارع تبغ في ولايات الشمال ( جندوبة وباجة وبنزرت ) ونابل  أي ما يفوق   3 آلاف طن   على مساحة   2240 هكتارا 2240 - إحصاءات 2005 ).
وتصنع الوكالة 424 مليون علبة  سجائر   توزع على  أكثر من  11 ألف  بائع سجائر  بمختلف المناطق  التونسية.

* ترسانة من الإداريين ؟

ويسير الوكالة مجلس إدارة يتكون على النحو التالي:

- رئيس مجلس الإدارة (وهو وزير المالية)

- المدير العام للوكالة

- ممثل عن الوزارة الأولى ( رئاسة الحكومة حاليا ) 

- 3 ممثلين عن وزارة المالية

- ممثل عن وزارة التنمية والتعاون الدولي  

- ممثل عن وزارة الفلاحة

- ممثل عن وزارة الصناعة   والطاقة و المناجم

- ممثلين عن الأعوان.

ويساعد مجلس الإدارة كل من :

- هياكل للدعم (إدارة مراقبة التصرف )

-  إدارة مراقبة الجودة

-  خلية التدقيق الداخلي

-  لجنة ضمان الجودة

-  الكتابة القارة للصفقات

-  خلية السلامة والمراقبة

-  خلية الإعلام والعلاقات العامة

-  مكتب الضبط المركزي  

- قسم الوسائل العامة

- قسم الإنتاج

- إدارة الشراءات والتسويق.

- إدارة تنمية زراعة التبغ

ومثلما تلاحظون فقد فشل هذا الجيش العرمرم ولمدة أكثر من عقدين من الزمن على الأقل في الحفاظ على هذه المؤسسة الهامة التي تحتكر سوق التبغ ومشتقاته والمواد الأخرى التي أشرنا  إليها سابقا.

وإذا كانت الشركة تخضع قبل الثورة إلى سيطرة بعض النافذين من العائلة المالكة الذين وصل لهم الاستهتار إلى حدّ إدخال سلع مقلّدة ( في بلد مجاور بالخصوص ) إلى الوكالة لوضع الختم الرسمي ( الطابع ) عليها لتصبح  في نظر المستهلك " سلعة تونسية " منبتا وإنتاجا ثم إخراجها وبيعها علنا للتونسيين فلمن باتت تخضع بعد 14 جافي  2011 ؟.

هذا السؤال لا توجد له إجابة  بالرغم من أن كافة المؤشرات تفيد بأن هذه المؤسسة لم يتغيّر فيها أي شيء بعد الثورة ...بل أتعس من ذلك بكثير حيث أثبتت تقارير رسمية قامت بها مصالح التفقّد بوزارة المالية أن هناك ملفات فساد كبرى في هذه المؤسسة جعلت كافة أرقامها تتراجع بشكل كبير إلى درجة أن الحديث عن " إفلاسها " عاد مجددا وبكل قوّة .

ولعلّ الأغرب من كل هذا وهو أمر محيّر استعصى  على فهم كبار الخبراء هو أن أيّة حكومة من الحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي 2011 لم تحاول إصلاح هذه المؤسسة بصفة جذرية رغم التقارير الرسمية التي تتحدث عن فساد كبيرة وإخلالات أكبر. ولم نر منذ 2011 سوى بعض المحاولات الترقيعية التي لا تسمن ولا تغني من جوع . وبقيت الأمور على حالها في مؤسسة  تقول  كافة لغات العالم إنه يجب أن تكون رابحة بل ربما المؤسسة الوطنية الوحيدة الرابحة والمؤسسة الوحيدة التي تساهم بانتظام في تمويل خزينة الدولة بمبالغ كبيرة ( آلاف المليارات ) .

ونعود الآن من حيث بدأنا لنعيد السؤال للمرة الألف: من له مصلحة في تدهور أحوال المؤسسة وهل صحيح أن بعض الأطراف تعمل ( مثلما سمعنا ) على إفلاس الشركة حتى يسهل بيعها للخواص بأسعار بخسة لا تساوي واحدا من 10 من سعرها الحقيقي إذا اعتبرنا طبعا أنه يمكن بيعها؟.

هل تعي الدولة خطورة الأمر لو أنها فكّرت مجرد التفكير في التفريط فيها للخواص ؟

إن هذه المؤسسة التي تجسّد احتكار الدولة احتكارا مطلقا لبعض المواد التي يستهلكها التونسيون بكثافة يجب أن تبقى تحت تصرّف الدولة وإدارتها مهما كانت التكاليف. ومن أجل الحفاظ عليها يجب على الدولة أن تراجع كل شيء في هذه المؤسسة خاصة  طرق التصرّف والإدارة إذ لا يعقل أن تعجز ترسانة من الإداريين والمراقبين والفنيين وغيرهم عن ضمان سير عادي ومعقول لمؤسسة يجب أن تكون رابحة .

وإن لزم الأمر يجب على الدولة إنفاق مبالغ أخرى مهما كانت قيمتها من أجل التطوير والتعصير وضمان تواصل احتكار السوق . وبعد ذلك سوف تأتي الأرباح فتعوّض الدولة   غدا ما تنفقه اليوم على الوكالة.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق