من " يا سيّد لسياد " إلى " سيدة تونس الأولى " : نفس الجوقة من المنافقين والمتسلّقين لكن إلى أين ؟

من " يا سيّد لسياد " إلى " سيدة تونس الأولى " : نفس الجوقة من المنافقين والمتسلّقين لكن إلى أين ؟


منذ العصور القديمة عرفت البشرية أنماطا من الناس لا تحلو لهم الحياة إلا بتأليه الآخرين والنفخ في صورهم بمناسبة وبلا مناسبة . وقد وجد في هذا الإطار شعراء البلاط على سبيل المثال الذين كانوا يقتاتون من " بيع الكلام " المنمّق لصاحب السلطة الذي كان ( ولا يزال في كثير من البلدان ) يستعذب ما يقال فيه من مديح وهو أول من يعرف أنه نفاق وتقرّب منه لا غير.
وفي تونس وجدت هذه الرهوط  منذ الأزمنة الغابرة . وفي عهد بورقيبة على سبيل المثال وجد " متخصصون " بلا شهائد علمية ولا هم يحزنون ... تراهم ليل نهار لا يهدأ لهم بال إلا إذا اخترعوا " لقبا " جديدا  للزعيم فجاءت من هنا ألقاب عديدة على غرار الرياضي الأول والمحامي الأول والفلّاح الأول ... والصنائعي الأول والمربّي الأول ومحرّر المرأة الأول ... وصولا إلى " سيّد لسياد " وزعيم الأمة وحبيب الأمة ... و " مجلّي  الغمّة " ... إلى غير ذلك  من الألقاب التي تقال من باب التملّق في " الزعيم الأوحد " .
وفي عهد بن علي أيضا لم يخل العهد من هؤلاء الذين أسبغوا عليه ألقابا عديدة على غرار صانع التغيير وقائد التحوّل المبارك و " مستشرف " المستقبل ... وغير ذلك كثير.
وفي العهدين المذكورين كانت وسيلة بورقيبة تلقّب بالماجدة وسيدة تونس الأولى وكانت ليلى الطرابلسي أيضا تلقّب بسيدة تونس الأولى ظلما وتملّقا وبهتانا لأنها  هي ذاتها لم تكن تصدّق أنها سيدة تونس الأولى ولا الثانية ولا حتّى العاشرة بعد الألف .
أما بعد  الثورة فقد خلنا أن هذه " النغمة " قد رحلت مع رحيل أصحابها إما عن السلطة وإما عن الحياة . لكن في الأثناء ظلّ بعض المتملّقين يحولون إحياء عاداتهم القديمة من خلال إلقاء الألقاب على الرؤساء أو على زوجاتهم ... ونجح بعضهم نسبيّا في ذلك خاصة في عهد المرحوم الباجي قائد السبسي الذي لم يكن يرفض الإطراء لشخصه أو لعائلته .
وفي هذه الأيام وخاصة يوم عيد المرأة  عادت " الأغنية " القديمة إلى الظهور من خلال محاولة إلصاق لقب سيدة تونس الأولى بحرم رئيس الجمهورية سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو على بعض المواقع الإعلامية . وقد اعتمد مطلقو اللقب على " أناقة حرم الرئيس وجمالها " و " وهرتها " ... وأجزم أن لا أحد طلب منهم ذلك بمن فيهم حرم الرئيس نفسها ... فكل ما في الأمر " مرض " قديم ومزمن لدى البعض ولا أعتقد أنهم سيشفون منه ذات يوم إلا بمعجزة . وستظل هذه الأنماط البشرية تعيش معنا بنفس العقلية الانتهازية أبد الدهر.
ج - م

التعليقات

علِّق