من وحي جريمة قبلّاط : هل مازالت لجنة بشرى مصرّة على إلغاء الإعدام ؟

من وحي جريمة قبلّاط : هل مازالت لجنة بشرى مصرّة  على إلغاء الإعدام ؟


ما زالت جريمة قبلّاط من ولاية باجة حديث الخاص والعام خاصة أنها تحمل من الفظاعة والبشاعة ما يعجز اللسان والقلم عن وصفه . إلا أن المؤسف في كل  هذا  وفي كل الجرائم التي باتت تتفاقم في مجتمعنا موقف بعض من يعتبرون أنفسهم نخبة المجتمع  وتوجّه الدولة عموما نحو التساهل والتسامح مع أهم الأسباب التي تؤدّي إلى الإجرام  على غرار المخدرات والمسكرات  مما جعل الجريمة ( والقتل بالخصوص ) أمرا يكاد  يصبح مألوفا في تونس .
وتشاء الصدف أن تتزامن هذه الجريمة البشعة مع هذا اللغو الذي ما زال يرافق تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة . وكالعادة ينقسم التونسيون  بين مطالب بإنزال أقسى  العقوبات وأقصاها على الجناة  وهي الإعدام وبين  أولئك الذين ما زالوا يتمسّكون بأن الإعدام  يتنافى مع حقوق الإنسان  التي  باتت  سلاحا لدى " الحقوقيين "  يستعملونه متى أرادوا  ويخفونه متى أرادوا .
ولا شك أن جريمة قبلّاط البشعة قد أعادت إلى الأذهان ذلك السؤال الذي يتجاهله الحقوقيون أو بعضهم على الأقل : أين حقوق الضحايا من حقوق الإنسان ؟. وبمعنى آخر إذا كان بعض الحقوقيين يدافعون عن " حق المجرمين  في الحياة "  فمن يدافع عن حقوق الضحايا التي سلب منهم حقّهم في الحياة ؟. لماذا تعلو أصوات  هؤلاء الحقوقيين  نصرة للمجرمين  وتخبو نارها كلّها تعلّق الأمر بحقوق الضحايا وأهالي الضحايا . ثم أريد  أن أسأل هؤلاء الحقوقيين سؤالا مباشرا وهو : تصوّروا  أن هؤلاء المجرمين الوحوش الخمسة  اقتحموا منزل أحدكم فاغتصبوا الجدة وابنتها واختطفوا  الحفيدة ثم اغتصبوها وألقوا بها في الوادي ... ثم تعلمون بعد ساعات بأن الجدة ماتت وبأن الأم  بين الحياة والموت ماذا سيكون موقفكم من هؤلاء الوحوش ؟. هل ستطالبون  بإعدامهم لأنهم  ضربوكم  " في اللحمة الحيّة " أم ستعزفون علينا لحن حقوق الإنسان وحق المجرمين في الحياة ؟. وهنا ودون أن أنتظر إجابة من أحدكم أكاد أكون مقتنعا بأن كل واحد منكم يحمل الشيء ونقيضه  في مثل هذه الحالة . فهو سيتمنى الإعدام  للمجرم أو المجرمين  وفي نفس الوقت سيدافع عنه أو عنهم علنالا لشيء إلا ليقال " فلان حقوقي " أو فلانة حقوقية  وتدافع عن حق الإنسان في الحياة .
ولعلّ المدافعين عن حقوق الإنسان  لا يجهلون أن معدّل الجريمة   عموما ما فتئ يتصاعد وأن معدل جرائم القتل في تونس  بات لا يقل عن 350  جريمة قتل في السنة وأن 90 في المائة على الأقل من مقترفي جرائم القتل والجرائم الأخرى كالإغتصاب أو السطو والسلب والنهب  و " البراكاجات " والعنف  كانوا تحت تأثير المخدّرات أو المسكرات أو الإثنين معا . ولا شكّ كذلك  أن الحقوقيين الذين يدافعون عن مجرمين يدركون في قرارة أنفسهم  أن  السكر والمخدرات  وغيرها من حالات  " اللاوعي "  لم تكن في القانون ظرفا من ظروف التخفيف   ومع ذلك يستميتون في الدفاع عن مجرم " محربش " أو " زاطل " أو سكران  أزهق روحا بشرية أو اغتصب  أو سلب ونهب واعتدى على حقوق غيره دون وجه حق  بدعوى أنه لم يكن في وعيه .
سؤال آخر لجماعة حقوق الإنسان : ما عذر هؤلاء الخمسة  الذي تكتّلوا واقتحموا منزل عائلة آمنة وقاموا بأشنع الأفعال التي أدى بعضها إلى قتل امرأة في الثمانين من عمرها بعد اغتصابها طبعا ؟.  ألا نخجل من أنفسنا على الأقل عندما نقول إنهم ليم يكونوا في وعيهم وهم الذين  خطّطوا على ما يبدو لفعلتهم واقتحموا ونفّذوا  وانسحبوا تاركين فتاة لا تتجاوز 15 عاما في الخلاء والقفار فاقدة للوعي   بعد أن أهانوها بالإغتصاب  ؟.
إن خرافة حقوق الإنسان هكذا في المطلق أصبحت  أمرا مخجلا  لأننا لا نصدّق أن هؤلاء " المدافعين  الشرسين " يفعلون ذلك  لله وفي سبيل الله . فالولايات المتحدة  مثلا التي تعطي الدروس  والأوامر لهؤلاء  ما زالت بعض ولاياتها تطبّق حكم الإعدام    ولم نسمع يوما أن واحدا من  " حقوق الإنسان في تونس " عارض أو انتقد أو ندّد أو رفض . أما عندما يتعلّق الأمر بمطالبة شعبية بتنفيذ حكم الإعدام ضد بعض المجرمين  الذين  لا تناسبهم أية عقوبة إلا الإعدام فإن هؤلاء المدافعين يخرجون من تحت سابع أرض  شاهرين أسلحة الدفاع   وكأن الضحايا ينتمون إلى جنس الذباب الخريفي المقلق .
خلاصة القول في هذا المقال أن البلاد ضاعت في  متاهات  جانبية  وعدم التركيز على المشاكل الحقيقية للمواطن التونسي الذي  ثقل كاهله ولم يعد يحتمل  جحيم الحياة  بكل تفاصيلها . وأختم  بسؤال  لا بدّ منه : هل من أولويات رئيس الجمهورية المنتخب  أن يعمل جاهدا على  " التخفيف من أحكام المزطولين " وهل من أولويات  " لجنة بشرى "  أن تعمل على  إلغاء عقوبة الإعدام ؟.
إن الإجابة عن هذا السؤال تكفي لوحدها لنعرف  " وين ماشين "  في بلد يبدو أنه انقلبت فيه كافة القيم والموازين .
جمال المالكي

التعليقات

علِّق