من حقّ التونسيين أن يغضبوا ويلوموا أنس جابر لكن ليس بهذه القسوة المبالغ فيها

من حقّ التونسيين أن يغضبوا ويلوموا أنس جابر لكن ليس بهذه القسوة المبالغ فيها

خسرت  إذن أُنس جابر المصنفة سادسة عالميا  نهائي بطولة ويمبلدون  للمرة الثانية على التوالي   ضدّ  التشيكية ماركيتا فوندروسوفا  المصنفة في المركز  42 عالميا    بمجموعتين دون رد (4/6 و 4/6) .

ومرّة أخرى يتأجل حلم   " وزيرة السعادة "   في تدوين اسمها في السجل الذهبي لبطولات " غراند سلام " الأربع الكبرى إذ سبق  لها أن خسرت أيضا  نهائي بطولتي ويمبلدون وأمريكا المفتوحة  العام الماضي.

هذا هو الجانب السلبي للحكاية يضاف إليه أن ملايين من التونسيين ( والعرب والأفارقة بكل تأكيد ) استاؤوا كثيرا لهذه الخسارة " الموجعة " لأنها لم تكن نتيجة قوّة المنافسة وتفوّقها بل نتيجة ارتباك أنس جابر وارتكاب العديد من الأخطاء ( في الإرسال خاصة ) جعلتها ( مثلما قال بعض المتابعين ) تسجّل النقاط ضدّ نفسها ولم تكن منافستها هي التي سجّلت تلك النقاط.

وبكل تأكيد من حقّ أنس جابر أن تغضب وأن تتأسّف كثيرا لأن هذه الفرصة الذهبية في الفوز  بإحدى البطولات العالمية الكبرى قد لا تكرّر مرة أخرى بالرغم من أننا جميعا نريدها أن تتكرّر عسى أن تثأر أنس جابر ولو مرة في حياتها من سوء الحظ.

وبكل تأكيد من حقّنا جميعا  أن نغضب وربّما أن نلوم أنس جابر لأنها فرّطت في أجمل فرصة في تاريخها لكن في المقابل يجب أن نتحلّى بالحكمة والرصانة وأن ننظر إلى الأمور من جانب الواقع وليس من باب الأحلام.

وواقع الأمور يقول إنه ليس من السهل على أي لاعب أو لاعبة تنّس تنتمي إلى بلد ليس فيه تقاليد عريقة لهذه الرياضة ولا تحظى فيه هذه الرياضة أصلا بأي اهتمام أن تصل إلى المستوى الذي بلغته أنس جابر وأن تصبح في بضع سنوات قادرة على مقارعة " كبار اللعبة " في العالم وأن تنحت لنفسها مسيرة لم تنحتها سوى لاعبات قليلات في عالم الكرة الصفراء.

ويقول واقع الأمور أيضا إن أنس جابر " صنعت " نفسها بنفسها مثلما يقول مثلنا الشعبي. فهي لم تتلقّ في البداية أيّ نوع من المساعدة المالية أو الفنيّة إلا عندما اشتدّ عودها وبلغت مستوى عالميّا فرأينا الدولة آنذاك  تركب القطار وهو يسير فقلنا  جميعا " أن تتدخّل الدولة بصفة متأخّرة خير من أن تظلّ نائمة طوال حياتها ". وعلى هذا الأساس قد لا يكون من حقّ أي طرف مهما كان أن يحاسب أنس جابر على خسارة هذا اللقب العالمي.

ليس دفاعا " مجانيّا " عن أنس جابر ولا عن أي طرف من المحيطين بها نقول ما نقول لكن رأينا أنه من العيب أن يتحوّل مئات الآلاف من التونسيين فجأة إلى " محلّلين " وخبراء و " معلّميّة " في رياضة التنس فيشنّون هجمات عنيفة عليها ( ونؤكّد أن ما  طالها اليوم ليس نقدا بل هجمات لا معنى لها ) ويصفونها بأنها فاشلة والحال أن أحسن هؤلاء لم يلمس في حياته كرة مضرب ولا يعرف ولو قاعدة واحدة من قواعد هذه اللعبة.

ولعلّ من الحكمة والصواب أن نعترف للمرأة بما أنجزت بدل أن نهاجمها. وإذا عددنا إنجازاتها قد لا نحصيها كلّها . لكن سنذكر بعضها على الأقل :

- أنس جابر غيّرت نظرة التونسيين نحو رياضة  التنّس ونقلتها من  " رياضة بورجوازية " إلى  رياضة تحظى باهتمام شعبي لا يقل  عن الاهتمام بالرياضات الشعبية الأخرى.

- أنس جابر عرّفت بتونس ونجحت في تصوير بلدها كأفضل ما يكون في كافة أنحاء العالم والحال أن  الدولة بكافة مؤسساتها المعنية منذ الاستقلال إلى اليوم  لم تنجح في ما نجحت فيه أنس جابر من ناحية التسويق لبلد مغمور نوعا ما ليصبح بلدا يعرفه مئات الملايين في كافة أرجاء المعمورة.

-  أنس جابر فرضت على الإعلام الغربي الذي نعرف جميعا أنه منحاز أن يحترمها وأن يحكي عنها بكل احترام وأن يدعوها ليسمع منها وأن يقول عنها إنها بطلة تونسية فرضت نفسها على  الجميع وبات لها اسم بين كبيرات اللعبة بالرغم من غياب التتويج في ثلاث مناسبات.

- أنس جابر " وحّدت " العرب أكثر ممّا تفعله جامعة الدول العربيّة منذ  أكثر من 60 عاما . فلأول مرة أصبح العرب " يتنافسون " على تبنّي هذه البطلة ويتسابقون  من  أجل أن يفخر أحدهم بنجاحها قبل الآخرين.

- أنس جابر لها شرف أنها تحاول ولا تيأس ولا ترمي  المنديل وهي في هذا المجال مثال للعزيمة والتحدّي ويجب أن تكون محلّ تشجيع مهما كانت النتائج.

- ونختم صفحة إنجازاتها بما قالته عنها اليوم صحيفة عربية جاء فيها : تنفرد أُنس جابر برقم قياسي إذ تعد أول لاعبة عربية وإفريقية تحقق مركز الوصافة 3 مرات في أكبر بطولات لعبة كرة المضرب وخلال عامين فقط.

وبكل تأكيد نحن نريد لأنس جابر أن تفوز بهذا اللقب " الكاسح " العنيد ... مثلنا مثل ملايين التونسيين . لكن يجب علينا كذلك أن نقبل بأحكام الرياضة ومنها الفوز والهزيمة . وكلاهما قدر محتوم على كل رياضي ... فإلى موعد آخر وإلى فرصة أخرى نتمنّى أن تكون أحسن لبطلتنا التونسية أنس جابر.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق