منذ 67 سنة وأمريكا تساعدنا فلماذا لم نر أنها " تجرح كرامتنا " إلا اليوم ؟
منذ الأيام والأشهر الأولى للاستقلال تلقّت تونس مساعدات مختلفة وعديدة من بلدان مختلفة وعديدة ... وهو أمر عادي يحدث بين كافة بلدان العالم ولا ينظر إليه على أنّه منّة من دولة على دولة أخرى أو " مزيّة " من بلد على آخر بالإضافة إلى أنه عمل يدخل في صميم مبادئ الأمم المتحدة في ما يتعلّق بالتآزر والتعاون والتضامن بين كافة البلدان الأعضاء.
ويبدو أن هناك في تونس من تخونهم الذاكرة بسرعة أو إنهم يتعمّدون أن تكون ذاكرتهم ضعيفة. هؤلاء أقاموا الدنيا ولم يقعدوها هذه الأيام بسبب شحنة القمح التي وصلتنا من الولايات المتحدة الأمريكية ورأوا فيها " مسّا من سيادتنا الوطنيّة " أو " اعتداء على كرامتنا الوطنيّة " إلى غير ذلك من الشعارات الرنّانة التي لم يذكروها عندما كانت أمريكا ( أو غيرها ) تساعدنا بأية صفة كانت منذ لحظات الاستقلال الأولى.
ودون أن أطيل عليكم أذكّر هؤلاء بأمر يعرفه كبار السن ومواليد السنوات الأولى للاستقلال. والأمر هنا يتعلّق بمساعدات أمريكية كانت تصلنا في شكل " الدقيق " ( الفارينة ) والحليب المجفف والزبدة ( المالحة )...
وكانت هذه المواد توزّع حتى في المدارس الابتدائية ... وكان مكتوبا عل الأكياس التي تحتوي على الدقيق الأبيض تلك العبارة التي بقيت مشهورة إلى اليوم وهي : هديّة من شعب الولايات المتحدة الأمريكية ... ليس للبيع أو المبادلة ( الصورة الأولى ) ... علما بأن نفس المعونات كانت تذهب في تلك الفترة إلى بلدان أخرى وكان يكتب عليها نفس العبارات لكن باللغة الأنقليزية ( الصورة الثانية).
ومهما كانت " نوايا " أمريكا بعد كل مرّة ترسل لنا فيها مساعدة فإن الأمر هو نفسه منذ خمسينات القرن الماضي فلماذا إذن لم تتحرّك فينا شعرة سيدنا معاوية إلا اليوم؟.
لماذا قبلت دولة بورقيبة مساعدات أمريكا ( وغيرها ) وقبلت دولة بن علي أيضا ... وقبلت دولة " الترويكا " ... وقبلت دولة السبسي ... فلم يتكلّم أحد ولم يقل أحد إنها " إهانة " أو ما شابه ذلك ؟. لماذا لم يروا أنها تمسّ من سيادتنا وكرامتنا إلا اليوم ؟.
إن كرامتنا وسيادتنا الوطنية جزء واحد لا يتجزّأ. فإما أن نتعامل معه ككلّ فنرفض كل عمل قد يسيء إليه وإما أن نقبله كما هو بإيجابياته وبسلبياته ... أما أن نغمض أعيننا عندما يكون الحاكم " متاعنا " أو نخشى أن نتكلّم في حضوره وننتقد عندما يكون الحاكم " ليس منّا " فهذا يسمّى وبكل وضوح منتهى النفاق والمغالطة.
جمال المالكي
التعليقات
علِّق