ملاحظات حول التصويبات الأخيرة على مسودة الدستور
على خلفية التصويبات الأخيرة لمشروع الدستور الصادرة بالرائد الرسمي، يمكننا ابداء عدد من الملاحظات حول اقحام عبارة " "نظام ديمقراطي " ضمن متن الفصل الخامس والخامس والخمسين من نص مشروع الدستور.
1- بخصوص الفصل 5 من مشروع الدستور فى صياغته الجديدة : "تونس جزء من الامة الاسلامية وعلى الدولة وحدها ان تعمل، في ظل نظام ديمقراطي، على تحقيق مقاصد الاسلام الحنيف فى الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية"
ملاحظة أولى : جاءت عبارة "في ظل نظام ديمقراطي" في غير طريقها بالنظر لفلسفة الفصل الخامس الذى اعتمد على مقاصد الاسلام في تنظيم الحياة الدينية (في الحفاظ على الدين) والدنيوية (فى الحفاظ على المال) والفردية (فى الحفاظ على العرض والحرية)، حيث كان من باب أولى وأحرى استخدام عبارة "فى ظل نظام شورى" تحقيقا للحد الأدنى من الانسجام المفاهيمي الداخلي للفصل المذكور.
فان كان النظام الديمقراطي يعتمد الشورى (الاستشارة) كألية من اليات اشتغاله فانه يختلف بنيويا عن الفقه المقاصدي الذى يستند ضرورة الى قاعدتي القران والسنة حتى وان كانت مخرجات "المشورة" تنحو صوب اتجاه مغاير وذلك باجماع الفقهاء.
ملاحظة ثانية: اتفق الفقهاء عبر التاريخ على أن مقاصد الاسلام تنحصر في "حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال" واعتبروها من الكليات الشرعية الخمس ، لكن بالتدقيق في الفصل الخامس نجد انه استثنى "حفظ العقل" من الضرورات المقاصدية الخمس وأضاف "حفظ الحرية" ؟ !
2- بخصوص الفصل 55 بصياغته الجديدة : " لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور الا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام او الدفاع الوطني أو الصحة العمومية ..."
ملاحظة أولى : مرة ثانية تم استخدام عبارة "النظام الديمقراطي" مع نسخ عبارة "الاداب العامة" واستبدال لفظ "الملائمة" بعبارة "التناسب" التى جاءت بالفصل 49 من دستور 27 جانفى 2014 ، تحويرات تبدو جوهرية من شأنها ان تٌبدد بعض المخاوف حول ما قد تتعرض له منظومة الحقوق والحريات من تهديد...
ملاحظة ثانية : فان كان تعديل الفصل 55 يٌعدّ تطور نوعى عن نسخته الاصلية ، فان السؤال الذى سيظل يؤرق العامة والخاصة على حد السواء : ما الذى يجب انفاذه (تطبيقه) فى مجال الحقوق والحريات الفصل 55 في صيغته الحالية أم الفصل 5 الذى يحيلنا مباشرة الى الفلسفة المقاصدية الاسلامية بأعمدتها الخمس المذكورة ؟ ملاحظة أخيرة: يتم تأويل الدساتير في العالم كوحدة متناغمة منسجمة وليس ككيانات نصية مجزاة ومتشظية عن بعضها البعض، وأن باب "الاحكام العامة" - الذى يندرج تحت طائلته الفصل 5 من مشروع الدستور - يٌشكّل بوصلة اي دستور وماهيته الفلسفية.
قلم : (محجوب لطفى بلهادى
باحث فى القانون والتفكير الاستراتيجى)
التعليقات
علِّق