مع انطلاق البطولة :  فرق تحت خط الفقر..سيف الفيفا يهدّد الغالبية وانقسام بسبب التشريعات الكروية

مع انطلاق البطولة :  فرق تحت خط الفقر..سيف الفيفا يهدّد الغالبية وانقسام بسبب التشريعات الكروية

بقلم : شكري الشيحي

مع انطلاق بطولة الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم يوم السبت الماضي وما رافقها من فضيحة عدم تمرير المقابلات وحرب البيانات بين الجامعة التونسية لكرة القدم ومؤسسة التلفزة الوطنية ، يبدو أن الموسم الرياضي الجديد سيشهد أحداثا رياضية مثيرة في ظل ما تعيشه الأندية من صعوبات مالية .

وللوهلة الأولى يبدو المشهد ورديا للملاحظين وعموم المتابعين، خاصة وأن جل الأندية قامت بترسانة من الإنتدابات ، غير أن ذلك يخفي وراءه مشهدا قاتما وغاية في السواد بسبب الإفلاس الذي  تعاني منه  كل الأندية التونسية سواء كبيرة وعريقة أو صغيرة وهروب أغلب رؤساء الجمعيات عن تقديم التقرير المالي أو المصادقة عليه في الجلسات العامة مع وجود بعض الإستثناءات القليلة التي قد يجتاحها " فيروس " الديون بين الحين والآخر..

فرق في القائمة السوداء لدى" الفيفا " 

خلال السنوات الأخيرة ، اتخذت الهياكل الرياضية التونسية وبالتنسيق مع وزارة الداخلية مجموعة من القرارات لتفادي أحداث الشغب في الملاعب التونسية بعد أن  تفاقمت بشكل كبير من اندلاع الثورة التونسية في 14 جانفي 2011 .

ومن بين القرارات التخفيض في عدد الجماهير المحلية إلى النصف ثم إلى الربع بالتوازي منع الجماهير الضيفة من التنقل إلى الملاعب ، ثم أخيرا اجراء المقابلات دون حضور جمهور بسبب جائحة كورونا ، وهو ما جعل مداخيل الأندية تتقلص بشكل كبير وأصبح رؤساء الأندية هم الممولون الرئيسيون لفرقهم، وهنا لا بدّ من الاستشهاد بوضعية النادي الافريقي الذي كان حصاد خزائنه موسميا يبلغ زهاء 3 مليارات من المليمات كعائدات للحضور الجماهيري..

ولكن التغييرات الحاصلة جعلت استقرار هذا النادي أو ذاك مرتهن الى درجة كرم رئيسه ومدى توفر السيولة في ظرف اقتصادي خانق عموما للبلاد وهو ما ينعكس في عدة تجليات ومنها كرة القدم .

ازداد الوضع اختناقا في الموازنات المالية لجلّ الفرق، وبتتالي الإستحقاقات الرياضية فقد أخفق جلّ الرؤساء في الإيفاء بتعهداتهم المالية ، ليتخلّف هؤلاء عن  تسديد رواتب ومنح اللاعبين والإطارات الفنية ، بل عجز بعض الرؤساء عن توفير  أدنى الضروريات من مصاريف التمارين والإقامة والنزل والمعسكرات لفرقهم .

 

شبح خصم النقاط والنزول للأقسام الدنيا

تزامنا مع الوضع المالي الصعب وعجز المسؤولين عن الإيفاء بتعهداتهم ، تعرضت عديد الفرق الى عقوبات مشددة من قبل الفيفا أو جامعة كرة القدم تراوحت بين الخطايا المالية والمنع من الإنتداب مرورا بخصم النقاط ووصولا إلى الإنزال للأقسام الدنيا.

وبرز اسم النادي الإفريقي في صدارة الفرق الأكثر تعرّضا للعقوبات ،قبل أن تنقذه هيئة يوسف العلمي و" شعب " الافريقي  من براثن الديون ..

من جهته، يعاني النادي الصفاقسي منذ سنوات من تواتر العجز المالي وهو ممنوع حاليا من الإنتدابات ، أما النجم الساحلي فيشهد  في الأيام الأخيرة موجة من الغليان والغضب في صفوف جماهيره بعد أن تم حصر الديون في حدود 60 مليار تونسي وجعل هيأته المديرة الجديدة برئاسة القروي تطلق حملة تبرعات .

وتواصلا مع ما سبق، فلا بد من ايراد حالة الملعب القابسي احد أبرز الفرق محليا ولكنه غادر منذ موسمين الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم اثر خصم 6 نقاط من رصيده بعد أن عجزت هيئته المديرة  عن دفع خطية مالية للفيفا تقدر ب 50 ألف دولار..وتواصل تقهقر الفريق ليخوض دورة " باراج " أنقذته من النزول الى  الرابطة الثالثة  بعد سجل ناصع بمقارعة مازيمبي قاريا وهزمه في لقاء تاريخي منذ خمس سنوات .

اما هلال الشابة الذي أنهى الترتيب في المرتبة الخامسة في الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم  فقد لاقى أسوأ مصير في الفرق المعاقبة بعد أن تم انزاله للقسم الرابع اثر عجزه عن تسديد معلوم الانخراط ليتم تجميد نشاط النادي تزامنا مع الذكرى 60 لتأسيسه ، قبل أن يعود بقرار من رؤساء الأندية في جلسة عامة استثنائية .

 

سجون وأحكام قضائية للرؤساء والمسيرين الرياضيين 

ازاء تواتر الضغط الكبير للجماهير الرياضية في تونس التي تطالب دائما بالإنتدابات وابرام الصفقات مع أفضل اللاعبين ، اضطر بعض رؤساء الجمعيات لتسليم صكوك بنكية تحمل توقيعهم الشخصي ، في إطار سياسة " الهروب إلى الأمام " ، ليجدوا أنفسهم ملاحقين أمام القضاء بتهم وأحكام سجنية خطيرة ترواحت بين 5 سنوات سجنا و 25 سنة سجنا  بتهمة صرف صكوك دون رصيد ، وهي أحكام صدرت ضد أكثر من رئيس جمعية تونسية على غرار سليم الرياحي الرئيس الأسبق  للنادي الإفريقي وخليفته عبد السلام اليونسي الرئيس " المخلوع "  من الإفريقي بعد أن تم عزله من قبل المنخرطين .وكذا الحال لعبد السلام السعيداني رئيس النادي البنزرتي الفار الى فرنسا ومكرم التاجوري الرئيس السابق لنجم بني خلاد ومحمد المامني رئيس الشبيبة القيروانية وصابر الجماعي رئيس الملعب القابسي ....

والجليّ أن ما يحدث  سابقة لم تشهدها الرياضة التونسية في تاريخها ، بعد أن  فقد الرؤساء والمسيرين الرياضيين في تونس " البرستيج " والبهرج المرافق لخطتهم وتحولوا من نجوم الملاعب إلى متهمين في أروقة المحاكم .

ولا يقتصر الأمر على حدّ المتابعات القضائية، بل ان الفرق نفسها تتضرر والدليل ما جدّ منذ أسابيع لنادي قوافل قفصة حيث تعرضت حافلة الفريق للعقلة بعد خطوة أقدم عليها رئيس أسبق للنادي لاسترداد أمواله بمقتضى حكم قضائي..

 

حلول عقلانية لترشيد النفقات والحدّ من الأزمات

للنبش في خفايا ملف التمويل المادي للجمعيات في تونس تحدثنا مع الأستاذ أمين موقو العضو بالمكتب الجامعي لكرة القدم ، حيث أكد لنا أن الجامعة التونسية لكرة القدم سنّت قوانين واضحة لحماية الأندية من الغرق  في الديون ، غير أن الهاجس الرياضي والبحث عن الالقاب والنتائج الرياضية طغى على الجانب الإداري التنظيمي لدى الرؤساء .

وقال موقو  ان الجامعة وضعت بعض التشريعات لتقليص العجز المالي للأنية أو تحصينها ضد سوء التصرف ، ومن بين القوانين تحديد سقف أعلى للمصاريف لا يتجاوز 40 بالمائة من ميزانية كل ناد .

كما تم منع انتداب اللاعبين الاجانب الذين لم يخوضوا على الأقل 10 مقابلات مع منتخباتهم ,

ولكن الإشكال يكمن وفق عضو المكتب الجامعي في المتابعة والمراقبة في ظل غياب آليات للجامعة تمكنها من معرفة خفايا العقود وما يتم تقديمه " تحت الطاولة " وهو ما يجعل الاندية مورطة في الديون خاصة بعد عمليات فسخ العقود أو طرد اللاعبين .

موقو وفي حديثه عن الحلول دعا لتوعية الجماهير الرياضية حتى تخفف ضغطها على المسؤولين وتضعهم امام مسؤولياتهم ازاء خطورة الوضع المالي للاندية والبحث عن متنفس مالي للجمعيات بالتنسيق مع اتحاد كرة القدم .

ومن جهته شبّه الناقد الرياضي البارز وهو الأستاذ فتحي المولدي حال الأندية التونسية بوضعية المواطن التونسي الذي يعيش نسقا يفوق امكاناته .

وقال المولدي ان بطولة الإحتراف في تونس يسيّرها مسؤولين هواة لا علاقة لهم بالتصرف ولا يعرفون كيفية الموازنة بين المداخيل والمصاريف .

وأكد أنه لو يتم إنشاء إدارة عامة للرقابة المالية على الأندية التونسية لتم انزال كل الفرق الى الأقسام السفلى وكذلك الشروع في إجراءات " الافلاس " للجمعيات التي "نهشت" رأس مالها بتواتر الانتدابات والصفقات .

وبسبب تلك الفوضى يؤكد المولدي معارضته التامة لمشروع تحويل الجمعيات الى شركات تجارية ، مؤكدا أنه باستثناء الترجي الرياضي فإن كل الفرق ستعلن افلاسها . ومن بين الحلول التي اقترحها للحد من هذه الظاهرة التي تهدد كيان الرياضة التونسية هو سنّ قانون صارم لتحديد أجور الاطارات الفنية واللاعبين وفق الاجر الادنى المعمول به في تونس " سميغ " 

ووفق محدثنا فانه لا يعقل أن يتقاضى مثلا مدافع النجم الساحلي عمر كوناتي راتبا يتجاوز 100 ألف دينار شهريا في ظل عجز ناديه عن خلاص ديونه السابقة .

كما اقترح المولدي مراجعة كل العقود في تونس دون استثناء مع عقد جلسة عامة بدعوة من جامعة  كرة القدم للتصويت على قانون جديد ينص على انزال كل فريق يتجاوز رأس ماله بالنزول للدرجة الثانية .

بين هذا وذاك، تتقاطع وجهات النظر بخصوص ما تشهده كرة القدم التونسية من تناسل للمشاكل اجتمع خلالها المادي بالفني والتنظيمي ليؤول المشهد الى حالة فوضى حقيقية تغطيها بعض الانجازات العابرة لفرق بعينها، ولكن الكشف العقلاني والعلمي يؤكد أنه خلافا للروايات الرسمية التي تقدمها الجامعة عن عهد ازدهار..فان الواقع المعيش يكشف النقيض بفرق تتخبط تحت خط الفقر ولاعبين ومدربين فاقدين للكرامة ويلجأ أغلبهم الى لجان النزاعات بحثا عن حقوقهم..ولهذا فان الحلول التي يجري الاعداد لها قد تغيّر الكثير من النمطية السائدة بعد الترويج لاحتراف خاطىء شكلا ومضمونا منذ ما يزيد عن ربع قرن من الزمن..

 

التعليقات

علِّق