مشروع "مادكوت" لتهيئة شاطئ حمام الأنف: قنبلة موقوتة والحل بين يدي وزير البيئة
حمام الأنف مدينة البايات التي كانت تلقب بلؤلؤة خليج تونس كانت معروفة بجمال شاطئها وببحرها الخلاب اللذان يستقطبان في فصل الصيف عامّة المصطافين من عدة مناطق من ضواحي العاصمة.
وكانت تُعتبر حمام الأنف في الثمانينات بالمدينة الفريدة من نوعها نظرا لتراثها الثقافي والطبيعي الذي يوفره لها موقعها المميز بين جبل بوقرنين وساحل البحر القريب.
خيارات سياسية كارثية...
لكن خيارات سياسية عشوائية لم ترتكز على دراسات معمّقة ألحقت بالشريط الساحلي لمدينة حمام الأنف ضررا فادحا أفقد المدينة وضعها المميز على الصعيدين الاجتماعي والثقافي من جهة والاجتماعي والاقتصادي من جهة أخرى حيث على اثر عواصف بحرية قوية خلال 1981-1982 أقدمت وزارة التجهيز بشراكة مع البلدية بتشييد ثمانية كاسرات أمواج (brise-lames) على طول 1300م وعلى مسافة 10م فقط من حافة الشاطئ وذلك بتعلّة حماية المدينة الساحلية من الانجراف البحري. وإذا أضفنا لذلك تدهور نوعية مياه البحر التى أصابها التلوث المتأتي من واد مليان القريب الحامل للمياه الغير المعالجة حسب المعايير العلمية والصادرة عن محطة الديوان الوطني للتطهير من جهة وعن سبخة السيجومي من جهة أخرى واذا اعتبرنا كذلك عنصري النمو البشري والعمراني السريعين أصبح الوضع العام خطيرا على صحة المواطنين ومنذرا عاجلا أو آجلا بحصول كارثة بيئية كبرى.
كاسرات أمواج "كسّرت" أحلام المواطنين...
وسرعان ما لُوحظ أن كاسرات الأمواج أعاقت الدوران الطبيعي لمياه البحر ممّا جعل الأعشاب البحرية (الذريع والبوزدونيا) تخرج إلى الشاطئ ولا ترجع من جديد الى البحر كما أصبح مظهر الشاطئ عبارة عن برك راكدة لمياه البحر أساءت لجماليته. وقد ساهمت كل هذه العوامل في انتشار الروائح الكريهة إلى جانب تلوث البحر وحرمان أبناء المنطقة من التمتع بهذه الثروة الطبيعية مما حمل أغلبهم الى الهجرة عن مدينتهم في الصيف للسباحة بمدن أخرى ساحلية.
واستمر الوضع على حاله لعدّة سنوات بسبب قلّة الموارد والاعتماد المرصودة للمدينة من جهة وغياب الإرادة اللازمة محليا وجهويا ومركزيا لإعادتها إلى سالف بريقها من جهة أخرى.
وحصلت المعجزة مع بروز مشروع "مادكوت" لانقاذ شاطئ حمام الأنف...
وفي هذا الاطار المتدني برز مشروع "مادكوت" حاملا في طياته احتمالات تحقيق أماني أبناء مدينة حمام الأنف الذين حُرموا لعدة سنوات من بحر تطيب فيه السباحة.
ويمثل مشروع "مادكوت" التونسي- الايطالي تمويلا صادرا عن المجموعة الأوربية تستفيد منه بلديتي حمام الأنف و«كاستلفترانو» الإيطالية )المسير للمشروع – (chef de file du projet ويقع تنفيذه بالتعاون بين "جامعة العلوم ببنزرت" والمركب الجامعي الإيطالي بـ«تراباني» بمساعدة جمعيات وهياكل مختصة منها وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحـلي ( APAL) وبلديتا حمام الأنف و " كاستلفترانو" الايطالية وتبلغ الأموال المرصودة للمشروع 787 ألف يورو في شكل مساعدات بلغت حصة بلدية حمام الأنف قرابة 238 ألف يورو أي ما يقارب عن 537 ألف دينار تلتزم الهيئات الممولة بدفعها على أقساط شريطة أن ينجز كل طرف مستفيد الأشغال المنوطة بعهدته في الآجـال التعاقدية المتفق عليها في صلب الاتفاقية الممضاة والمجسمة للمشروع.
بطلب من بلدية حمام الأنف وقع التمديد مرتين في أجل انتهاء المشروع ...
بعد أن حُدد المشروع الأصلي ليغطي الفترة 2007-2013 واعتبارا للصعوبات التي واجهتها البلاد بعد الثورة وافق الطرف الممول (الاتحاد الاوربي) على التمديد مرتين في الآجال الممنوحة لبلدية حمام الأنف للوفاء بتعهداتها التعاقدية ليصبح الأجــل النهــائي 30 جوان 2016
موعد 30 جوان 2016 من الصعب جدا احترامه...
تتمثل الأشغال الواجب انجازها قبل 30 جوان 2016 في:
- ادخال تحويرات جوهرية على 4 كاسرات أمواج (brise-lames) تسبقها عادة دراسات علمية عميقة ومدققة
- وبالتوازي القيام بأشغال التجريف (dragage)
- ثم القيام بأشغال تنظيف (nettoyage) الشاطئ
- وفي نفس الوقت تجهيز منطقة على الشاطئ تمثل نموذجا لاستعمال الشاطئ استعمالا يحترم البيئة
انعكاسات كارثية في صورة عدم احترام موعد 30 جوان 2016...
هذا وقد تم ضبط المشروع لانجازه بتاريخ محدد من قبل الاتحاد الأوروبي حيث في حال لم يتم احترام هذا الموعد يمكن أن يتسبب في كارثة حقيقية تتلخص أبرزها في مطالبة البلدية بإرجاع الأموال التي استلمتها في اطار المشروع وادراج بلدية حمام الأنف على قائمة المؤسسات التي لم تف بتعهداتها وبالتالي حرمانها من تمويلات جديدة وغيرها التي نجهلها ويمكن أن يسلطها الاتحاد...
موقف وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحـلي ( APAL) يزيد في الطين بلّة ...
ان الـ APAL شريك أساسي لا يمكن تجاوزه حيث أن كل مشروع أشغال على الشريط الساحلي يجب أن يُحظى حسب القانون بترخيص منه. وهو المطالب بتهيئة الدراسات الفنية في أقرب الآجال قصد تمكين بلدية حمام الأنف من تهيئة ملفات المناقصات لاختيار شركات المقاولة التي سيُعهد لها بانجاز الأشغال. لكن يوجد تياران متناقضان في هذه المؤسسة الخاضعة لإشراف وزارة البيئة والتنمية المستدامة. الأول يرى أنه بالإمكان انجاز الدراسات الأولية في الآجال شريطة أن تصدر الادارة العامة ترخيصا واضحا وصريحا في الشأن والثاني يرى أن كل دراسة جدّية للترخيص في هكذا أشغال غير ممكنة في ... 4 أشهر. وبقيت حمام الأنف الجريحة تنتظر قرار المديرة العامة للـ APAL التي لم تتخذ أي قرار الى يومنا هذا والوقت ...يمرّ !
لا يمكن أن تبقى حمام الأنف رهينة لخلافات سياسوية "هامشية" ...
لذا المطلوب من السيد وزير البيئة والتنمية المستدامة التدخل فورا لنزع فتيل هذه القنبلة الموقوتة قبل أن يفوت الأوان ويحصل ما لا يحمد عقباه.
ان أهالي حمام الأنف المشهود لها بتاريخها المجيد ومواقفها الوطنية لن يقبلوا أبدا أن تبقى مدينتهم في فوضى " منظمة"
حمزة
التعليقات
علِّق