مراسلة خاصة من افريقيا الوسطى : الماس و اليورانيوم بطعم الدمّ.. ومجازر فضيعة في حق المسلمين

الحصري - عالم
تنويه : هذا المقال يحتوي على صور مريعة
مراسلة خاصة من الصحفي الناصر الرقيق
منذ شهر مارس 2013 إندلعت حرب طائفية إستهدفت مسلمي إفريقيا الوسطى، فهذا البلد الواقع وسط القارة السمراء شهد منذ إستقلاله عن فرنسا سنة 1960 العديد من الإضطرابات و عدم الإستقرار الأمني بسبب الإنقلابات العديدة التي كانت في كلّ مرة تدخل البلاد في نزاع مسلّح بين مختلف الفرقاء هناك، غير أنّ ما تشهده إفريقيا الوسطى منذ الإطاحة بالرئيس السابق فرانسوا بوزيزي يعتبر الأخطر في تاريخها الحافل بالنزاعات.
- جذور الأزمة -
تضمّ إفريقيا الوسطى قرابة الخمسة ملايين نسمة، عشرون في المائة منهم مسلمين و للإشارة فإنّ المسلمين يقولون أن نسبتهم أكثر من ذلك غير أن السلطات لا تعترف بهم كما لا تعترف بأبسط حقوقهم لذلك توجّه أغلبهم للممارسة الأعمال الحرّة ممّا جعلهم يسيطرون على الإقتصاد نتيجة إقصاءهم من المجتمع ، و يعتبر هذا البلد الإفريقي من أفقر البلدان في العالم رغم ثرواته الكبيرة فهو ثاني منتج للماس عالميا مع مخزون كبير من اليورانيوم و إنتاجه لأجود أنواع الخشب إضافة لثروة نفطيّة هائلة لكن مثل جلّ بلدان القارّة الإفريقية فإن جميع هذه الثروات تسيطر عليها فرنسا بشكل كامل من خلال شركة " أريفا " و أخواتها و لا تستفيد إفريقيا الوسطى إلاّ بقليل مما تتركه لها فرنسا.
بداية الأزمة في إفريقيا الوسطى تعود لسنة 2003 حين قام فرنسوا بوزيزي بإنقلاب على السلطة و السيطرة على مقاليد الحكم، فهذا الرجل الذي دعمّته عدّة قوى و حركات من بينها المحسوب على المسلمين قام بالتنكّر لها فيما بعد و أخلف وعده بإشراكها في حكم البلاد، فبدأت منذ ذلك التاريخ نار الأزمة تشتعل، في خضمّ ذلك كان فرنسوا بوزيزي يسعى لتركيز حكمه فقام بتشكيل مليشيا " أنتي بلاكا " في محاولة للتصدّي لقطّاع الطرق و حفظ الأمن غير أن هذه المليشيا ستقوم فيما بعد بإرتكاب أبشع الجرائم في حقّ المدنيين العزّل من المسلمين، فرنسا المستعمر القديم قامت أيضا بدعم حكم بوزيزي و ذلك رغبة منها في الحفاظ على سيطرتها على ثروات إفريقيا الوسطى عن طريق شركاتها المنتصبة هناك، لكن ما إن قام بوزيزي بفتح المجال أمام الشركات النفطيّة الصينية و الجنوب إفريقية خاصة في مجال التنقيب على النفط حتى إستشعرت فرنسا الخطر على مصالحها فقامت بتشجيع خصومه على الإطاحة به.

- الأزمة و الدور الفرنسي المشبوه -
خلال شهر أكتوبر 2012 قام تحالف السيليكا المسلّح المحسوب على المسلمين بالسيطرة على شمال البلاد ثمّ في وقت لاحق بالزحف نحو العاصمة بانغي التي سقطت في أيدي هذا التحالف في شهر مارس 2013 دون أن تحاول فرنسا التدخّل و إنقاذ حليفها القديم فرنسوا بوزيزي مثلما فعلت مع الرئيس التشادي الذي كاد يسقطه تمرّد مسلّح سنة 2008، ففرنسا وجدت في ذلك فرصة مناسبة لتغيير النظام الذي تمرّد عليها و بات يتطلّع لنصيب أكبر من الفتات الذي تقّدمه له، في غضون ذلك قام تحالف السيليكا بتعيين ميشيل ديوتوديا أو محمّد ضحيّة ( إسمه القديم ) كأوّل رئيس مسلم لإفريقيا الوسطى لكن سرعان ما تنبّهت فرنسا لخطر القادمين الجدد للسلطة من خلال تصريحاتهم التي كانت تنمّ عن نزعة قوميّة مناهضة للوجود الفرنسي و سيطرته على مقدّرات و ثروات البلاد، لذلك كان لابدّ من إحداث أزمة ما، فسارعت بمساعدة الكنيسة في تشغيل آلتها الإعلامية التي روّجت لقيام تحالف السيليكا بقتل و تهجير المسيحيين و بدعوى الحفاظ على الأمن و منع حدوث تطهير عرقي ضدّ المسيحيين قامت في وقت قياسي بإستصدار قرار أممي يجيز لها التدخلّ عسكرياّ في إفريقيا الوسطى لفرض الأمن، تدخّلت فرنسا على الأرض فقامت في البداية بمحاورة تحالف السيليكا و أقنعتهم بضرورة ترك الشوارع و الدخول لثكنات الجيش بدعوى أنّهم مسلمون يجب تجنيبهم الإحتكاك بالمسيحيين، السيليكا صدّقوا الفرنسيين و ألتحقوا بالثكنات، بعدها مباشرة كانت القوّات الفرنسية تحاصرهم و تأمرهم بإلقاء السلاح و من رفض منهم قاموا بقتله، في المقابل غضّت القوّات الفرنسية الطرف عن أسلحة مليشيا " أنتي بلاكا " التي بدأت تخرج للشوارع و تهاجم المسلمين عقب قيام الفرنسيين بتحييد قوّات السيليكا و تجريدهم من السلاّح.
- الكنيسة و دورها في التحريض ضدّ المسلمين -
تتمتّع الكنيسة في إفريقيا الوسطى بنفوذ كبير جعل منها إحدى أقوى المؤسسات لدرجة جعلتها تتدخّل بشكل كبير في تشكيل الحكومات و تشارك في عمليّة الحكم و إدارة البلاد بشكل مباشر و مع تزايد الأزمة هناك لعبت الكنيسة دورا كبيرا في التحريض ضدّ المسلمين خاصّة عقب سيطرة تحالف السيليكا على الحكم حيث إستشعرت نفوذا إسلاميّا متزايدا قد يهدد مصالحها و مصالح حلفائها الفرنسيين، فراحت تطلق الإشاعات حول قيام المسلمين المدعومين بقوّات السيليكا بعمليّات قتل للمسيحيين و تهجيرهم من مناطقهم مستغلّة في ذلك الآلة الإعلامية الضخمة التي تمتلكها، و للآسف الشديد فقد صدّق العديد من النّاس خاصّة المسيحيين هذه الأكاذيب المضللّة و بدأوا في الإستنجاد بمليشيا " أنتي بلاكا " لحمايتهم من خطر المسلمين المفترض، و مع إستمرار الشحن الإعلامي بدأت عمليّات القتل تبرز هنا و هناك ، و بدت هذه العمليّات و كأنّها ردود أفعال عمّا قام به المسلمون في حين أنّ الكنيسة كانت تبرّر ذلك بدعوى أنّها عمليّات منفلتة ستتمّ السيطرة عليها و كان هذا خطابها أمام وسائل الإعلام العالميّة.

- مليشيا " أنتي بلاكا " و معاناة المسلمين -
إثر تمكّن القوّات الفرنسيّة من خداع قوّات تحالف السيليكا و تحييدها من دائرة الصراع، إنكشف ظهر المسلمين و بدا كأنّ الفرنسيين أعطوا شارة الإنطلاق لميلشيا " أنتي بلاكا " المسيحيّة للبدء في تنفيذ أقذر عمليّة تطهير عرقي، فقد بدأت هذه المليشيا بشنّ هجمات على أحياء المسلمين، فقتلت كلّ من إعترض سبيلها من رجال و نساء و أطفال بطرق قروسطيّة و لعلّ الصور أكثر تعبيرا عمّا قامت به هذه المجموعات الإجرامية من إرهاب في حقّ المسلمين، كما لم يكفها القتل و السحل و الحرق و الإغتصاب فقامت أيضا بتدمير المنازل و المساجد لدرجة أنّها هدمت جلّ أحياء المسلمين و من بينها حيّ " مسكين " أشهر أحياء المسلمين في بانغي، و أمام هذا الوضع المأساوي فرّ معظم المسلمين في إتّجاه الشمال و الشمال الشرقي تاركين ورائهم كلّ شيء، و اليوم تكاد تخلو بانغي من المسلمين بإسثناء العالقين منهم بعد أن كانت تضمّ النصف مليون مسلم، فمن بقي منهم هناك لازالوا محاصرين في منطقتي الكلم رقم 15 و الكلم رقم 10 ينتظرون تأمين طريق الخروج لهم من قبل الأمم المتحدة لكن فرنسا تحاول عرقلة خروج المسلمين و ذلك لعدّة إعتبارات أهمّها أنّ أغلب المحاصرين في العاصمة شخصيّات إسلامية مؤثّرة خاصّة من الناحية الإقتصادية و فرنسا تخشى خروجهم الذي قد يسقط إقتصاد إفريقيا الوسطى، كما تخشى من تقسيمها إذا ما نجح هؤلاء في الوصول إلى الشمال و الشمال الشرقي ممّا سيحرمها من تصدير النفط و الماس و اليورانيوم، و كما حال المسلمين في العاصمة بانغي فإن معاناتهم في باقي المدن لا تختلف كثيرا ففي مدينة " جيني" عاش المسلمون و لازالوا إحدى أصعب المحن فقد حصلت فيها مواجهات بينهم و بين المسيحيين فتدخّل بعض الشيوخ للصلح و أثناء عقد الصلح هاجمت المليشيات المسيحية الإجتماع فذبحت كلّ الرجال المسلمين و أحتجزت جميع النساء و لم تسمح لهنّ بالمغادرة بل تمّ تسخيرهنّ للعمل كمومسات...esclavage sexuel...و الآن يناشدن الأمم المتحدة للتدخّل و تحريرهم من هذا الوضع المأساوي لكن أسمعت لو ناديت حيّا...و للآسف فمصائب المسلمين في إفريقيا الوسطى لا تقتصر على القتل و الإبادة بل تمتدّ لما هو أقبح من ذلك حيث قامت الكنيسة و الحكومة بفرض متحدثا رسميّا بإسم المسلمين يُدْعَى عمر كوبين أصله قسّ قيل أنّه أسلم و تحوّل بعدها للدراسة في السعوديّة لمدّة سنتين و الآن يقيم في إحدى كنائس بانغي و المصيبة أنه لا يخدم مصالح المسلمين بل يقوم بترويج الخطاب الحكومي خدمة لمصالح المسحيين و دفعا لشبهات التطهير العرقي عن مليشياتهم و الأنكى من ذلك أن جلّ العالم الإسلامي يتعامل معه في حين يرفضه مسلمو إفريقيا الوسطى.

- هل هذه كلّ الحقيقة و أين العرب و المسلمين ؟ -
ليست كلّ الحقيقة فجلّ ما سبق ليس إلاّ جزء بسيط من حقيقة واقع يعيشه مسلمو إفريقيا الوسطى حاولنا نقله للرأي العام العربي و الإسلامي حتّى يعلموا أن هناك إخوة لهم يعانون أهوالا عظام دون أن يتدخّل أحد لنجدتهم، فلا الجامعة العربيّة و لا منظمة التعاون الإسلامي و لا منظمة المؤتمر الإسلامي سمعنا لهم صوتا ينادي بضرورة نجدة الأبرياء في إفريقيا الوسطى، لا أدري لماذا ينسى هؤلاء أو يتناسوا مسلمي إفريقيا عموما و لا يحاولوا نصرتهم في قضاياهم العادلة، فتخيّلوا لو كان ما يحصل للمسلمين في إفريقيا الوسطى حصل للمسيحيين لكانت الدنيا قامت و لم تقعد و لأنتفض الغرب المسيحي و أمريكا و كلّ العالم نجدة لهم، أمّا و المقتول مسلم فلا ضير في ذلك، فدماء المسلمين صارت أهون الأشياء في عالم تسوده أمريكا و الغرب...فيا أيّها المسلمون في إفريقيا الوسطى معذرة فجيوشنا ليس لديها وقت لتوجيه سلاحها نحو قتلتكم فقد وجّهت من زمان بعيد فوهات بنادقها نحو صدورنا...فنحن و أنتم أحقّ بالموت من أعدائنا...فهنيئا لكم بالموت على يد عدوّ بعيد...و هنيئا لنا بالموت على يد أخ و إبن عمّ قريب...و هنيئا للعرب و المسلمين بهذا النصر.





التعليقات
علِّق