لماذا توقّف إنتاج مصنع السكر بباجة منذ أكثر من شهر وكيف تستفيد " الحيتان " الكبيرة من التوريد ؟

 لماذا توقّف إنتاج مصنع السكر بباجة  منذ أكثر من شهر وكيف تستفيد " الحيتان " الكبيرة من التوريد ؟

أذكر جيّدا أن تونس في  تسعينات القرن الماضي وبداية العشرية الأولى من الألفية الثانية كانت تنتج  كميات مهمّة جدا من السكر وأعلاف الحيوانات المشتقّة من اللفت السكّري الذي كان يزرع في أراضي شاسعة تقع خاصة بين باجة وجندوبة  بالإضافة إلى مادة الخميرة التي كان ينتجها أيضا معمل السكّر من خلال مادة اللفت السكّري.

وفي العشرية الأولى لاحظنا كذلك أن إنتاج اللفت السكّري ما فتئ يتقلّص عاما بعد عام وأن توريد السكّر والخميرة والأعلاف ما فتئ يتزايد عاما بعد عام. ولئن كنّا نعرف منذ زمان بعيد أن " الحيتان " الكبيرة هي التي كانت تتمعّش من الحكاية بدعم كبير من البعض من أفراد العائلة المالكة المستفيدين مباشرة من التوريد فإن السؤال الذي لم نجد له إجابة مقنعة كان ولا يزال : لماذا لم تسع أية حكومة من الحكومات التي جاءت بعد الثورة إلى تصحيح الأوضاع وإعادتها إلى  ما كانت عليه؟. وبالرغم من عدم وضوح الإجابة فإن الغالب على الظنّ أن المستفيدين القدامى ومنهم مثلما قلنا بعض من العائلة المالكة قد تم استبدالهم بمستفيدين جدد انتهجوا نفس السياسة وأحكموا قبضتهم على من حكموا وأغرقوهم بالمال والمنافع حتّى لا يتجرّا أي واحد من المسؤولين في السلطة حتى على التفكير في أي تغيير.

اليوم بلغنا مرحلة تنذر بما هو أسوأ إذ انتقلنا من مرحلة الإكتفاء الذاتي إلى الإكتفاء النسبي إل  العجز تماما عن الإنتاج وبالتالي الإكتفاء بالحلّ السهل وهو التوريد ... وهو ما تريده العصابات المسيطرة على الميدان... وأكثر من هذا فإن الإنتاج قد توقّف منذ حوالي شهر ولا يكاد أحد يعلم بالأسباب لأن " العصابة " لا تريد لأحد أن يعلم إلا المتعاونين معها والمرتزقين منها.

* هل هي قطع غيار فقط ؟؟؟

وفي هذا الإطار أكد زيدان المديني الكاتب العام للنقابة الأساسية لمصنع السكر بباجة  اليوم الجمعة  9 سبتمبر 2022 في تصريح لإذاعة "  شمس " إن إنتاج السكر توقف بمصنع باجة منذ  يوم 5  أوت الماضي  بسبب تعطل عدة آلات عن العمل لعدم توفر قطع الغيار في ظل غياب السيولة لتسديد مستحقات  مزودي قطع الغيار.
وأضاف زيدان المديني أن الشركة تعاني كذلك ع من دم توفر السكر الخام بما أن آخر كميات وصلت إلى المصنع كانت في آخر شهر جوان 2022 من البرازيل   التي يبدو أنها قررت عدم مواصلة تصدير السكر الخام الذي يتم تكريره في مصنع باجة  لاستخراج السكر وضخه في سوق الاستهلاك.
وأوضح  المديني  أنه حتى لو توفر السكر الخام في هذه الفترة فإن عودة المصنع للإنتاج لن تكون سهلة في ظل تعطل عدة آلات و تواصل عدم توفير قطع الغيار اللازمة. 

* زراعة اللفت السكري في تونس مستهدفة ؟

وفي نفس السياق تقريبا قال إلياس القاسمي مدير شركة "  Ginor " وهي الشركة الوحيدة في تونس العاملة في مجال زراعة السكر التونسي المحلي  وإنتاجه  إن منظومة السكر في تونس تتعرض شأنها شأن عديد المنظومات الأخرى إلى استهداف  ممنهج من قبل"  لوبيات " معروفة  لأن نجاح زراعة اللفت السكري في تونسي تعني حتما تراجع توريد السكر والأعلاف.
وأضاف إلياس القاسمي أن بلحسن الطرابلسي  مثلا قام في السابق  بضرب مصنع السكر في باجة وقضى على نشاطه الفلاحي و تسبب في إغلاق مصنع  السكر بجندوبة   وهما ينشطان في مجال زراعة اللفت السكري في تونس  بهدف فتح مصنع في بنزرت يعمل في مجال توريد اللفت السكري من الخارج وتكريره.

وأضاف القاسمي أن الدولة تحركت بعد الثورة  لإعادة منظومة اللفت السكري وبادر مستثمرون وطنيون إلى إعادة فتح مصنع "  Ginor "  بجندوبة وأعادوا مجددا زراعة اللفت السكري وظهرت مؤشرات واعدة في هذا المجال غير أن هذا النجاح يبدوا أنه أزعج بعض الأطراف التي تريد أن تواصل خطة بلحسن الطرابلسي  حتى وهو هارب خارج البلاد.

 وقال القاسمي إن زراعة اللفت السكري من الزراعات الهامة  وهذا ما  يفسر نزول الدولة المغربية بثقلها في هذا المجال ونجاحها في إنجاز 8 مصانع كبرى بالإضافة إلى الجزائر التي أطلقت برنامجا  لزراعة اللفت السكري تحت إشراف الرئيس عبد المجيد تبون بالإضافة إلى قيام مصر بإنجاز أكبر مصنع للسكر في إفريقيا وزراعة أكثر من 10 آلاف هكتار.

وبيّن القاسمي أن اللفت السكري من أهم المواد التي تستخدم في مجال صناعة الأعلاف خاصة الموجهة إلى قطاع تربية الماشية وإنتاج الحليب مذكرا في هذا الإطار بأن توقف زراعة اللفت السكري قبل الثورة تسبب في ضرب قطاع إنتاج الحليب بجندوبة.

وبيّن القاسمي أن شركة  " جينور "  تواصل العمل من أجل إنجاح تجربة تونس في زراعة اللفت السكري رغم الصعوبات والعراقيل والتحركات المشبوهة وضعف الدعم .
ومن خلال هذين الموقفين تبدو لنا الصورة واضحة المعالم : مواصلة ضرب منظومة زراعة اللفت السكّري ومنع الإنتاج  وتعجيز مصانع تحويل اللفت السكّري من خلال عدم توفير قطع الغيار حتى يبقى الوضع مثلما هو عليه.

ولئن تتضرّر الدولة ويتضرر المواطن مع فقدان السكّر الذي ترتبط به صناعات أخرى عديدة فإن المستفيد الوحيد في كل هذا هو " الحيتان " الكبيرة التي لا تشبع لا مع الطرابلسية القدامى ولا مع " الطرابلسية الجدد " الذين أتوا بعد الثورة  ولا مع العصابات التي أصبحت لهم اليوم امتدادا لهم ولا تهمّهم  إلا مصالحهم .

وبناء على كل ما سبق ليس لنا حلول كثيرة غير التالي:

- الخروج الفوري من الوضع الحرج من خلال تدخل الدولة لتوريد ما يجب توريده للضرورة القصوى.

- إنقاذ مصانع السكّر كلّها من خلال إعادة الهيكلة وتوفير ما يجب من قطع غيار وخاصة تغيير عقليات التسيير لأن الأكيد أن الكثير من الإدارات ساهمت في تدهور أوضاعها خدمة لمصالح الحيتان الكبرى .

- إعادة تشجيع زراعة اللفت السكّري على أقصى ما يمكن من المساحات ( والأراضي الدولية بالبالة ) وتشجيع كل من يعمل في هذا القطاع الذي يمثّل نجاحه نجاح البلاد في توفير السكّر وتوفير العديد من الأعلاف وبالتالي القطع مع سياسة التوريد التي لا يستفيد منها إلا " 4 كعبات " من الحيتان الكبيرة وأصدقاؤهم ممّن باعوا البلاد برخص التراب.

- الضرب بلا شفقة ولا رحمة على أيدي كل من عبث بهذا القطاع عن سوء نيّة  عسى أن يكون عبرة  لكل من يفكّر في المستقبل في العبث بمصلحة العباد والبلاد.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق