كلمة محمد الناصر في البرلمان بحضور الرئيس الفرنسي

كلمة محمد الناصر في البرلمان بحضور الرئيس الفرنسي

 


بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى تونس واستقباله اليوم الخميس 1 فيفري 2018 بمجلس نواب الشعب ، ألقى محمد الناصر رئيس البرلمان الكلمة التالية :
" فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية، السيد ايمنوال ماكرون،

أصحاب السعادة،

حضرات النواب،

ضيوفنا الكرام،

باسمي الخاص، ونيابة عن زملائي أعضاء مجلس نواب الشعب، يُسعدني أن أُرحّب بكم وبالوفد المرافق لكم في هذه الجلسة الممتازة التي نستقبلكم فيها ضيف شرف ورئيسا للجمهورية الفرنسية.

كما يُسعدني أن أُحيّي مستوى العلاقات المتميّزة والمتنامية بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية. تلك العلاقات التي أنتجتها عوامل التاريخ وغذّتها رغبتنا المشتركة في تطويرها وتنويعها خدمة لمصالحنا التي نطمح وإياكم إلى تعزيزها وتقويتها في مختلف المجالات. واني أحيي من خلالكم الشعب الفرنسي الذي تربطه بتونس علاقات تاريخية وثيقة، وهو الذي يحتضن منذ عقود ابناء الجالية التونسية المقيمة بفرنسا.

فخامة الرئيس،

ضيوفنا الكرام،

نستقبلكم في حضرة مجلس نواب الشعب التونسي، الذي أُنْتُخِبَ بعد حراكٍ ثوري مُتعدد الحلقات، ليكرّس مبادئ الحرّية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي جاء بها دستور تونس الجديدة سنة 2014.

نستقبلكم في حضرة مجلس نواب الشعب التونسي الذي ما فتئ منذ 2014، يُجسّد دوره التاريخي على أساس أحكام الدستور والانتقال من مرحلة التنظيم المُؤقت للسُلط، إلى مرحلة بناء المؤسسات الدائمة للدولة والهيئات الدستورية المستقلة. ويتطلّع مجلسنا خلال هذه السنة إلى إستكمال تشييد ما بقي من الهيئات الدستورية، إلى جانب وضع الإطار التشريعي للديموقراطية المحلية التي سوف تُكرّسها الانتخابات البلدية في ماي المُقبل.

ولئن نجح مسار الانتقال الديموقراطي في تونس، فإن ذلك يعود الى خيار التوافق بين القوى السياسية الفاعلة ومكوّنات المجتمع المدني حول الخيار الديمقراطي. وقد توخّت كل تلك القوى منهج الحوار لتحديد الأرضية المشتركة لبناء دولة ديموقراطية جديدة وللمحافظة على المكاسب التقدُّمية والحداثية التي تُميّز المجتمع التونسي. وقد شكلت تلك الارضية ركيزة اساسية لتغليب المصلحة الوطنية العليا على بقية المصالح.

وعلى هذا الأساس، تجاوزت تونس مخاطر الفشل، وكان نجاحها عسيرا بسبب المُضاعفات التي أفرزتها أزمات مُحيطها الجغرافي.

فخامة الرئيس،

ضيوفنا الكرام،

تُبيّن تجارب الإنتقال الديموقراطي منذ مطلع القرن العشرين، أنّ نجاح المسارات الإنتقالية رهين مُساندة القوى المناصرة للديموقراطية في العالم .

وإن زيارتكم لنا تشكّل دليلا على حرصكم على اعطاء دفع نوعي جديد للعلاقات بين بلدينا وشعبينا. وهي تؤكّد كذلك متانة الرّوابط التي تجمعنا على أساس المصالح المُشتركة والمستقبل المأمول. ويسعدني هنا أن أحيي جهود فرنسا ومساعدتها لدولة تونس الجديدة ومساندتها لمُجابهة التحديات التي تواجهها في شتى المجالات. كما أننا نؤكّد حرصنا على أن تكون زيارتكم المباركة فاتحة لمرحلة جديدة من التعاون المثمر بين بلدينا الصديقين.

إنّ حضوركم بيننا يجسّم صداقة نعتزُّ بها، ونريد أن نجعل منها عنصر دعمٍ لجهودنا من أجل النجاح في مجال التنمية ومقاومة الإرهاب وتحقيق التقدُّم الإجتماعي والاقتصادي الذي يُشكّل عاملا حيويًّا في تحقيق الأمن والإستقرار في كامل المنطقة. وهو ما نصبو اليه جميعا بحكم ما تقتضيه مصلحتنا المشتركة على المستوى الثنائي أو في علاقاتنا مع أوروبا. وإنّنا على يقينٍ أنّ منطقة البحر المتوسّط قادرة على أن تتحوّل إلى ضفاف إزدهارٍ وسلمٍ ورفاهٍ مُشتركٍ.

فخامة الرئيس،

ضيوفنا الكرام،

إنّ مقاربتنا في إنجاز الإنتقال الديموقراطي تقوم على مبدإ الإعتماد على الذات، وعلى تفعيل كلّ طاقات العمل والابداع الكامنة في شعبنا وفي شبابه.

ونحن نعتزم مواصلة عملنا في طريق الإصلاحات الإقتصادية والإجتماعية الضرورية مع الحرص على مزيد التوازن بين الجهات والعدالة بين الفئات، وعلى فتح آفاق الأمل في وجه الشباب. تلك هي في نظرنا سُبُل تحقيق الإستقرار الإجتماعي والسياسي وصدّ الأبواب في وجه الإرهاب والتطرّف والفساد.

وإنّنا على وعي بأنّ نجاحنا يُشكّل عاملا إيجابيّا في توفير السّلم في محيطنا الإقليمي وفي مقاومة آفات الإرهاب العابر للقارات، والهجرة غير الشرعية المُتعدّدة المصادر، والجريمة المُنظّمة. وهي تحدّيات تخُصُّ كلّ شعوب المنطقة في ضفّتي المتوسّط، وتتطلّب مجهودا جماعيا.

ويستوجبُ النّجاح التونسي المنشود مزيدا من التعاون بين تونس وأصدقائها الفرنسيين والأوروبيين. وما من شكٍّ أنّ من أهم مجالات ذلك التعاون الترفيع في نسق وحجم الإستثمار وتكثيف تحويل ديون تونس إلى إستثمارات، ومزيد التشجيع على السياحة الفرنسية والأوروبية في تونس. كما يشمل هذا التعاون المنشود كلّ الإجراءات والمبادرات التي تفتح افاقا جديدة أمام الشباب. وعلى هذا الاساس فإننا نتطلّع الى إجراءات تسهّل تنقّل الشبان إلى فرنسا وبقية البلدان الاوروبية في اطار برامج تشغيليّة وتكوينية مدروسة ومبرمجة حسب قوانين البلدان المُضيّفة.

وفي هذا الصدد فإننا نعتبر أنّ مقياس نجاحنا المنشود في هذه المرحلة التاريخية هو مدى نجاحنا في فتح آفاق الأمل للشباب في التعلّم والشغل والمساهمة في بناء صرح تونس الجديدة.

فخامة الرئيس،

ضيوفنا الكرام،

إنّ العلاقة بين بلدينا ليست عابرة، ولن تكون عابرة، فالتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة تفرض علينا أن نتقاسم المسؤوليات والطموحات في جعل المنطقة المتوسّطيّة همزة وصل بيننا وضفاف أملٍ وإزدهار وأمن مُشترك.

نحن نأمل في أن تكون العلاقة بين تونس وفرنسا مثالاً يُحتذى للعلاقات الإيجابية بين دول الشمال والجنوب. كما نُعوّل على مساندتكم ودعمكم لنا في هياكل ومؤسسات الإتحاد الأوروبي حتى نرتقي بالتعاون التونسي-الفرنسي والتونسي-الأوروبي، إلى درجاتٍ عُليا من المردوديّة والإيجابية. ذلك هو الطريق الذي يُساعدنا - في المدى القصير- على توفير الحلول والوسائل لتعزيز النّمو الإقتصادي ودعم التقدّم الإجتماعي وتحقيق الإستقرار والقضاء على خطر الإرهاب.

فخامة الرئيس

إن الصداقة بين بلدينا ليست صداقة ظرفية ، ولا هي صداقة حديثة العهد، بل هي صداقة متينة نتوجّه بها نحو مستقبل مشترك ومشرق.

أشكركم جميعًا،

تحيا تونس، تحيا فرنسا، "

التعليقات

علِّق