قرب الهوارية : 12 ألف ساكن يعانون من السرطان وضيق التنفّس والأمراض الجلدية بسبب مصنع طماطم

قرب الهوارية :  12 ألف ساكن يعانون من السرطان وضيق التنفّس والأمراض الجلدية بسبب مصنع طماطم

 

منذ أكثر من شهر تقريبا اتصل بنا سكّان من بلدة " صاحب الجبل " القريبة من مدينة الهوارية من ولاية نابل وطلبوا منّا أن نجري تحقيقا مصوّرا يجسّد الحالة المزرية التي يعيشون فيها منذ سنوات بسبب مصنع لتحويل الطماطم كان في حياة صاحبه الأصلي مصدر فخرهم ومصدر رزق  العديد منهم فأصبح بعد وفاته مصدر إزعاجهم  وأمراضهم ومشاكلهم حسبما ما أكّده لنا كل من تحدّثنا معهم ورافقونا في إجراء هذا التحقيق وهم من كوادر البلدة من موظفين ورجال تعليم بالخصوص . وحتى إن لم نذكر أسماءهم  فهاهم قد جمعتهم صورة بأحد المقاهي حيث ليس لديهم يوميّا ما يفعلون سوى أن يبوح بعضهم للبعض الآخر بما يعاني من هموم جرّاء المصنع المعلوم  حسب تأكيدهم دائما.
 
الرعب يبدأ من هنا
حسب ما رواه لنا الناس وما ترويه الصور فإن " الرعب " الحقيقي ينطلق مباشرة  قرب المصنع حيث تلقى المياه المستعملة بكل ما يرافقها في واد محاذ يبلغ طوله حوالي 4 كيلومترات ويصبّ ما يحمل في البحر مرورا بالأراضي الزراعية وبعض التجمّعات السكنيّة التي لم يعد يطيب فيها العيش فتحوّلت من حلم في ما مضى إلى كابوس مزعج لدى الكثير من السكان الذين أصبح الكثير منهم يعرض منزله للبيع عسى أن يفرّ بجلده وبما تبقّى له من أمل في الحياة حسب ما أكّده الكثير منهم .
 
 
على الأخضر واليابس
لم نكن نتخيّل أن تلك المياه المستعملة والبعض من " مشتقّات المصنع " تمثّل خطرا على حياة البشر والبقر بمثل  هذه الصفة . فقد أكّد لنا من التقيناهم أن هاتين البقرتين على سبيل المثال كانتا في صحة جيدة قبل أن تتناولا العشب الأخضر الذي  ينبت على ضفّتي " وادي السّموم " مثلما يسمّيه السكان . وبعد أن لقيتا الموت أصبح مالكو المواشي يحرسونها ليل نهارعسى أن لا تغافلهم فتأكل العشب فتموت . وأكّد السكان أيضا أن كل ما يمكن زرعه  من خضر أو غلال أو حبوب قرب الوادي ليس مضمونا باعتبار أن ماء الوادي تسرّب إلى كافة الحقول المجاورة وبات الناس يخشون على أنفسهم وعلى أبنائهم وأصبحوا لا يأكلون ما يزرعون . وإضافة إلى هذا أصبحت الآبار التي يستعملونها في الريّ ملوّثة ومسمومة حسب تأكيدهم وهذه البئر التي صوّرناها تأثرت بما يجري في الوادي وأصبح لونها أسود في لونه تماما ...
 
من أجمل بحر إلى أسوأ ما يكون
وادي الرعب ينطلق من المصنع الواقع في بلدة صاحب الجبل ويصبّ ما يحمل في البحر وتحديدا قرب ميناء سيدي داود ومصنع التن بسيدي داود . ويؤكّد السكان أن هذه المنطقة التي غزاها الوادي كانت من أجمل السواحل والبحار وهي اليوم لم تعد صالحة لشيء بل أصبحت مصدر قلق متواصل وأصبح السمك القريب منها عرضة للنفوق بسبب سموم الوادي حسب ما أكدوه نقلا عن خبراء في البيئة وفي حماية الشريط الساحلي . وحتى المحميّة العالمية " زمبرة " التي لا تبعد كثيرا عن المكان الذي يصبّ فيه الوادي فهي أيضا مهددة بالتلوّث حسب هؤلاء السكان .
 
جحيم هي الحياة ؟
هذه المرأة التي تظهر في الصورة صحبة ابنيها ليست سوى عيّنة بسيطة من سكّان عبّروا عن تبرّمهم من وضعهم وعن رغبتهم في البوح بما تضيق به صدورهم . وقد أكدت لنا ( وغيرها أيضا ) أنها وأبناءها وكافة من يسكنون قرب الوادي يكادون لا يجدون جرعة نفس واحدة وبالخصوص على الساعة الثالثة صباحا تقريبا حيث ينفث المصنع يوميّا دخانا كثيفا أسود يغطّي المكان ويحجب الأنفاس عن السكان . وأكّد آخرون أن الدخان ينزل على رؤوسهم ومنازلهم أتربة سوداء سبّبت خاصة لأبنائهم أمراضا عديدة منها السرطان وضيق التنفّس والأمراض الجلدية ويعود ذلك إلى أن المصنع يستعمل أسوأ أنواع الوقود وهو " الفيول " .
 
أرقام مفزعة
قال أحد من التقيناهم في هذه الرحلة إن مصدرا مطّلعا جدا كشف له أن حوالي 1200 شخص مصابون بأمراض مختلفة جرّاء التلوّث الذي أصبح يضرب البلدة من طرفها إلى أقصاها . وقال أيضا إن أكثر من 20 حالة سرطان سجّلت خاصة لدى الأطفال . وأكّد المتحدثون أيضا أن عشرات العائلات هجرت البلدة لتستقرّ إما بقليبية  أو بالهوارية التي قالوا لنا إن رجالها وقفوا بحزم فمنعوا عن مدينتهم التلوّث الذي كانت تسببه ثلاثة مصانع أخرى لتحويل الطماطم .
 
أين السلطة ؟؟
إجابة عن هذا السؤال قال محدثونا بكل وضوح : " قبل كل شيء يجب أن يعلم الجميع أننا لسنا ضدّ وجود المصنع الذي كان فخرنا في عهد صاحبه الأصلي الذي كان يحسّ بنا وبمشاكلنا ويسعى معنا إلى إيجاد الحلول  واليوم للأسف فإن ابنه لا يعير اهتماما لأيّ شخص بصفة تجعلنا نميل إلى تصديق ما يشاع من أخبار تقول إنه محميّ من السلطة . وفي المقابل نحن لا نطلب منه المستحيل ... فقط أن يستبدل وقود " الفيول " الذي يستعمله وأن يقوم بإنشاء ما يشبه " الجابية " الكبيرة التي يتم فيها تجميع المياه  المستعملة من أجل رسكلتها وإعادة استعمالها في الزراعة . وهذه الحلول ليست صعبة بل هي ممكنة وقد تعهّد لنا في مرّات عديدة  ومن خلال محاضر رسميّة بحضور كافة السلط بتنفيذها  لكنّه إلى اليوم  ما زال يتملّص من مسؤولياته وتعهداته . ونحن اليوم لا نطلب من السلطة غير إجباره على احترام الناس والدولة والقانون . كما نعد الجميع بأننا لن نسكت عن حقوقنا وستكون لنا تحرّكات أخرى في القريب العاجل وبأشكال أخرى  وسنكون مدعومين بوزارات بدأت تعي حقيقة الكارثة البيئيّة المنتظرة إذا لم يجنح المسؤول عن المصنع إلى الحلول الصلحيّة . 
تحقيق : جمال المالكي

التعليقات

علِّق