قرار التخفيض في أسعار المياه المعدنية : لا يوجد إلا في خيال وزارة التجارة ؟

قرار التخفيض  في أسعار المياه المعدنية : لا يوجد إلا في خيال وزارة التجارة ؟

قامت وزارة التجارة منذ حوالي نصف شهر أو أكثر بتحديد أسعار  البيع للعموم بالنسبة إلى كافة أنواع المياه المعدنيّة مع تحديد أحجام القوارير وتوضيح الأسعار الخاصة بالماء العادي والأسعار الخاصة بالماء المبرّد.

وتوعّدت وزارة التجارة كل مخالف للتسعيرة المحددة بالعقاب " الشديد " وهو في مثل هذه الحالات غرامة مالية قد تكون أكثر 100 مرّة من الربح الذي يطمع فيه تاجر " مستكرش " لا يهمّه في الأمر سوى أن يربح.

أما اليوم وبعد مرور وقت كاف لصدور قرار تحديد الأسعار فهل يا ترى يتم في كافة  جهات البلاد بمدنها وقراها وأريافها تطبيق التعريفة الجديدة للمياه المعدنية أم إن الأمر لا يختلف في شيء عن أغلب قرارات وزارة التجارة التي اتضح في غالب الأحيان أنها قرارات للاستهلاك  الظرفي لأنها ببساطة لا تطبّق ولا تحرص حتى الوزارة نفسها على ما يبدو على تطبيقها ؟.

وفي هذا الإطار قمنا بجولات استمرت عدّة أيام وشملت عدّة جهات بين  بعض مناطق تونس الكبرى ومناطق أخرى بالوطن القبلي.ولعلّ أكبر ملاحظة استرعت انتباهنا أن الكثير من التجّار ليسوا على علم أصلا بالتعريفة الجديدة التي حددتها وزارة التجارة وأن أغلبهم " يبهت في عجب ربّي " عندما تحدثّه عن قرار الوزارة وعن العقوبات المحتملة في صورة مخالفة تطبيق القرار.

أما الملاحظة الثانية ( وهي تستحقّ الوقوف عندها جيّدا وتحليلها بعمق ) فهي أن الكثير جدّا من التجار لا يعترفون لا بقرار الوزارة ولا بالوزارة أصلا إذ كادوا يجمعون على إجابة واحدة تقول : " الوزارة تعمل وتقول الّلي تحب  ... وأحنا نبيعوا كيما نحبّوا "... وهذا معناه بكل وضوح أن هؤلاء التجار الذين يدركون أنهم متجاوزون وأنهم مخالفون يدركون أيضا أنهم يتحدّون قرارات الوزارة وبالتالي قرارات الحكومة والدولة بما أن وزارة التجارة جزء من الحكومة التي تمثّل أيضا جزءا من الدولة.

وأما الملاحظة الثالثة التي تسترعي الانتباه أيضا فهي تساؤلات ألقاها الكثير من التجّار في وجوهنا ( ولهم طبعا ألف حق ) مفادها ما يلي:

إذا كانت وزارة التجارة قد حددت أسعار البيع للعموم ( أي عند باعة التفصيل ) فلماذا يواصل المصنّعون والوسطاء ( تجار الجملة ) البيع بنفس الأسعار؟. وبمعنى الآخر لو كانت وزارة التجارة " عادلة " في قرارها لماذا لا تفرض على  المصنّعين وتجّار الجملة تخفيض  أسعار البيع  حتى يتمكّن تاجر التفصيل من  التخفيض أيضا بصفة ترضي جميع الأطراف فلن يكون تاجر التفصيل في النهاية وحده من يتحمّل تبعات القرار بينما تواصل الأطراف الأخرى تحقيق نفس الأرباح.

وبكل صدق فإن لتجّار التفصيل في هذه الناحية ألف حق إذا اتّضح بالفعل أن التخفيض في الأسعار لم يشمل سواهم   وأن غيرهم من الأطراف الأخرى غير معني بهذا القرار. أما إذا اتضح أن قرار الوزارة يشمل كافة الأطراف  وأن المصنّعين وتجار الجملة التزموا بالتخفيض وبدؤوا بالفعل في تطبيقه فإن المسألة تصبح ذات أبعاد أخرى وهي أن الكثير من الناس في هذه البلاد باتوا " بانديّة " على الدولة ولا تهمّهم قرارات ولا هم يحزنون بدليل ما سقناه سابقا من مواقف بعض الذين يتحدّون قرارات الوزارة علنا وأمام أنظار الجميع.

وفي هذه الحالة نتساءل : ما فائدة أي قرار تصدره وزارة التجارة إذا لم تسع هي بنفسها على تطبيقه ؟. ولا تقولوا لنا إن عدد المراقبين محدود جدّا ولا يستطيع مراقبة كافة تجّار البلاد لأن الوزارة تعرف منذ عهود بعيدة أن عدد مراقبيها  محدود وبالتالي لن تستطيع مراقبة أي شيء ... وبالتالي لماذا أصدرت القرار أصلا.

وفي خضمّ كل هذا وجدنا " بعض الأمل " في بعض الأماكن حيث التزم بعض التجّار ( وعددهم للأسف الشديد ما زال الأضعف ) بالتسعيرة الجديدة وشرعوا في تطبيقا بكل تلقائية على غرار هذه المغازة التي تقعد ببلدة دار علّوش الواقعة بين مدينتي قليبية والهوارية.ومثلما تلاحظون ( الصورة المصاحبة ) فقد قام أصحابها بتثبيت معلّقة تشل كافة تفاصيل الأسعار وأنواع المياه وأنواع القوارير.

وفي كافة الحالات فإن على الوزارة إما أن توضّح للعموم كيف تمّت العملية ومن المعني بها وإما أن تقول لنا إنها أصدرت قرارها " ماخذة في الخاطر " لجهة ما ... وإنها تعرف أنه لن يطبّق حتى لو انطبقت السماء عل الأرض.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق