في معهد الصحافة : نقاش عن الحرب الروسية الأوكرانية و تداعياتها على تونس وباقي أنحاء العالم ؟

في معهد الصحافة : نقاش عن الحرب الروسية الأوكرانية و تداعياتها على تونس وباقي أنحاء العالم ؟

نظم طلبة السنة الثانية ماجستير مهني في الاتصال السياسي ورشة إنتاج المواد المكتوبة والإلكترونية بمعهد الصحافة و علوم الإخبار مؤخّرا  جلسة نقاش حول الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها السياسية والجيوسياسية والاقتصادية الدولية والإقليمية وفي تونس.

و كان خميس الجهيناوي ضيف الحصة الأولى من الجلسة  خاصة أنه قد شغل منصب وزير خارجية تونس  ما يقارب  أربع سنوات  ومنصب السفير التونسي  في كل من روسيا وأوكرانيا.

* تونس مطالبة بأن تكون واعية بالتطورات الدولية للعمل على مجابهتها

أوضح الجهيناوي  أن  تونس اليوم مرتبطة بما يحدث من حولها من تطورات في ظل الأزمة العالمية التي لها تأثيرات على العالم و بصفة خاصة على أوروبا و منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا وأنها مطالبة بأن تكون واعية بجملة القضايا والتحديات والتطورات الدولية للعمل على مجابهتها.

 وأشار  في نفس الإطار إلى أن تونس تأثرت مباشرة بهذه الأزمة وانعكس ذلك على قطاعين أساسيين وهما التغذية وارتفاع أسعار الغذاء باعتبارها تستورد 50 بالمائة من حاجاتها من القمح من أوكرانيا و كذلك الطاقة مبينا أن ميزانية الدولة تم تحديدها  باحتساب  75  دولارا  للبرميل الذي قفز  اليوم  سعره إلى  ما بين 90 و100  دولار.

 أما عن التأثير غير المباشر  فقد بيّن  الجهبناوي أنه موجود على المستوى الأمني وتطرق إلى علاقة تونس بالاتحاد الأوروبي و القضايا الأمنية وهو ما يمكن أن يكون على حساب التعاون مع جنوب المتوسط.

و تطرّق  الجهيناوي أيضا إلى النزاعات الإقليمية في كل من ليبيا وسوريا واليمن وعدم قدرة مجلس الأمن على الاجتماع وأخذ القرار لدفع مسارات السلام لمختلف هذه النزاعات لوجود دولة برتبة عضو قار بالمجلس ولها حق الفيتو بما يمنع أي قرار ليس في مصلحتها.

وأكد الجهيناوي أن ما يجري اليوم في ظل هذه الأحداث هو تحول جذري وهام على الساحة الدولية ولا بدّ لتونس المنفتحة على العالم  و اقتصادها المندمج في اقتصاد العالم أن تكون واعية بهذه القضايا وأن تعمل على مجابهتها من خلال تنويع علاقاتها و تفسير ما ينجرّ عنها من تطورات و من حاجات لأصدقائها وشركائها لتحدي هذه الأزمة.

وحول موقع تونس الاستراتيجي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية قال الجهيناوي إن لتونس علاقات تقليدية مفروضة بالجغرافيا و بالتاريخ وإنها بلد متوسطي له علاقات استرتيجية مع أوروبا لا بد من دعمها بالمحافظة عليها و توسيعها  وأشار إلى أن ذلك لا يمنع تونس من توسيع علاقاتها مع أطراف صاعدة كالصين وروسيا.

و ذكّرالجهيناوي  بالعلاقات الاستراتيجية والقديمة التي تربط تونس بالولايات المتحدة الأمريكية مؤكدا انّه لابد من دفع هذه العلاقات وتفسير ما يجري من تطورات للشريك الأمريكي ليبقى الشريك الأساسي في المجال الأمني و في مجال العلاقات مع المؤسسات الدولية موضّحا  أن أمريكا لها صوت مهم مع هذه المؤسسات و لا بد أن يكون معها حوار لتفسير وشرح التطورات بتونس.

* وقع الحرب على المالية العمومية و ضرورة مراجعة منظومة الإنتاج   لخلق الثورة

أما بالنسبة للحصة الثانية من الجلسة  فقد تأثثت بمداخلات الضيفين  فتحي زهيّر النوري أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية و العضو سابقا بمجلس إدارة البنك المركزي و معز حديدان الخبير في الاقتصاد والأسواق المالية

وأفاد النوري  أن الأحداث الكبرى  التي يشهدها العالم تحدث تغيّرات كبيرة في المشهد السياسي والاقتصادي وبالتالي تحدث تغيّرات في السوق وفي جميع الموّاد الأوّلية والبضاعة والخدمات النقديّة والصرف موضّحا أنّ كل  الأسواق عرضة للتغيّرات خلال الأحداث الكبرى السياسية والاقتصادية والجيوساسية وتأثيرها يكون مباشرة على الأسواق والمتدخلين فيها من مستثمرين أو مستهلكين.

وأشار  النوري إلى أنّ الأزمة الأخيرة الجيوسياسية كانت غير منتظرة بعد أن فاجأت روسيا العالم خلال شهر فيفري 2022 بشنّ الحرب على أوكرانيا وهما دولتان من القوى الاقتصادية الهامّة و من مزوّدي دول العالم من الموّاد الغذائية والطاقية. وأكّد أنّ  الأزمة السياسيّة الروسية الأوكرانية سيتواصل معها ارتفاع أسعار النفط والغاز  اللذين بارتفاعهما يزيد التضخّم.

وبيّن في هذا الجانب أنّ مشكلة التضخّم أصبحت تهمّ العالم بأسره وأنّ البنوك استعدت لمجابهة الظاهرة عبر رفع أسعار الفائدة  التي  تكون كلفتها ارتفاع أسعار قفة المواطن وتراجع الاستثمار نسبيا مشيرا إلى أنّ العالم اليوم في انتظار قرارين اثنين الأول يتعلّق بإعلان أمريكا نهاية النسق التصاعدي للزيادة في أسعار الفائدة والثاني يتعلّق بقرار انتهاء الحرب وذلك لعودة الأسواق الطاقية إلى الأسعار العادية والتحكم في التضخّم متابعا القول إنّ كل الأسواق اليوم مضطربة بارتفاع أسعار الفائدة والتضخّم وتكلفة الإنتاج وانخفاض المقدرة الشرائية للمواطنين وذاهبة نحو الركود الإقتصادي وإنّ ما تكهّن به صندوق النقد الدولي حول نسبة نمو ضعيفة جدا لجميع الدول الصناعية والمتقدمة 2023   من  شركاء تونس وسيكون له انعكاس مباشر على الاقتصاد التونسي والمبادرات التونسية

و أكّد النوري ضرورة مراجعة منظومة الإنتاج في تونس لخلق الثروة و  مجابهة المشاكل التّي تعيشها البلاد بسبب نقص عدد من المواد الإستهلاكية ممّا شكّل ضغطا على المواطنين

 مبيّنا  أنّ مسألة الدّعم هي إحدى المشاكل لكنّها ليست في حجم أزمة منظومة الإنتاج.

 و طالب  النوري بضرورة أن تكون سياسة الدعم واضحة وأن تعمل الدولة على توضيح توجهها القادم في المجال والآليات التّي ستتبعها  مشيرا في هذا الجانب  إلى أنّ القرارات الحكومية لمجابهة التغيّرات الإقتصادية من خلال رفع الدعم غير مدروسة بطريقة علمية تتماشى مع الوضع الانتقالي   الذي تعيشه تونس ومن الصعب أن يتقبلها التونسيون في غياب سياسة واضحة تضمن تقديم الدعم للعائلات المحتاجة لذلك.

وفي خصوص الترفيع الأخير في سعر المحروقات الموجه للعموم  قال النوري إنّ ذلك كان منتظرا وسيتواصل إلى حين تطبيق سياسة حقيقة الأسعار في غضون السنوات القادمة موضّحا في الآن ذاته أنه  ليس بإمكان التونسي مجابهة حقيقة الأسعار العالمية في ظلّ اقتصاد ضعيف ومدمّر.

وأوضح  النوري أنّ حقيقة الأسعار  التّي تسعى الحكومة إلى بلوغها هي بيع المحروقات بالسعر  الذي تقتني به  الدولة  مع فرض معاليم الضرائب وهامش ربح لمختلف المتدخلين

* نسبة التضخّم   سترتفع و التونسي مجبر على تحمّل ارتفاع الأسعار

أفاد  معزّ حديدان  أنّ معدل التضخّم في تونس سيواصل صعوده وقد يصل إلى حدود 12 بالمائة سنة 2023 وأنّ مخزون البلاد من العملة الصعبة قد يتقلّص إلى أقلّ من 90 يوما إذا ما تواصلت الأزمة الاقتصادية وتواصل شحّ السيولة الخارجيّة وأنّ ارتفاع نسبة التضخم هي من تداعيات هذه الحرب على العالم بأسره وعلى تونس.

وأضاف  حديدان في هذا الجانب أنّ تداعيات الحرب برزت في تونس منذ بضعة أشهر من خلال ارتفاع الأسعار في الموّاد  التّي تصدّرها هذه الدول وتستوردها تونس على غرار الحبوب والطاقة موضّحا أنّ ارتفاع الأسعار في السوق العالمية ألقى بظلاله على السوق المحلية والمصنّع التونسي والمواطن التونسي تبعا لارتفاع أسعار عدّة مواد.

وأكّد  حديدان أنّ التونسي اليوم مجبر على تحمّل ارتفاع الأسعار لأنّ الدولة التونسيّة لا تستطيع تعويض هذا الارتفاع على مستوى الميزانية التّي تشهد عجزا  مضيفا   في الآن نفسه  أنّ كلّ هذه المسائل ستنعكس سلبا على الميزان التجاري لتونس وبالتالي على احتياطي تونس من العملة الصعبة خاصة في ظل شح موارد الاقتراض.

ورجّح  الخبير الاقتصادي أن يتواصل عجز الميزان التجاري  الذّي بلغ أكثر من 21 مليار دينار  مع نهاية أكتوبر 2022  إلى 24 أو 25 مليار دينار مما سيؤثّر على احتياطي تونس من العملة الصعبة.

وأكّد  حديدان في الختام أنّ هذا الاحتياطي قد يتراجع إلى أقل من 90 يوم توريد إذا ما تواصل شحّ السيولة الخارجية  وتواصلت الأزمة وارتفاع الأسعار ممّا سيجعل سنة 2023 صعبة جدّا.

و في ما يتعلّق  بقرار الرفع في سعر المحروقات قال  حديدان إنّ ذلك يندرج في إطار رغبة الدولة  في رفع الدعم عن المحروقات موضّحا أنّه  من الطبيعي أن يتم اتخاذ مثل هذا القرار في ظل ارتفاع أسعار المحروقات في العالم إلى درجة تفوق تحمّل الدولة.

التعليقات

علِّق