في قضية الشهيد كمال المطماطي : غياب المتّهمين والتناول الإعلامي رسالتان واضحتان لطمس الحقيقة ودفنها ؟

في قضية الشهيد  كمال المطماطي : غياب المتّهمين والتناول الإعلامي  رسالتان واضحتان لطمس الحقيقة ودفنها ؟


يوم  29 ماي 2018 لم يكن يوما عاديا  في مدينة قابس حيث  شهدت المحكمة الابتدائية  أولى جلسات قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي أحالتها عليها هيئة الحقيقة والكرامة   وتتعلق بقضية الاختفاء القسري للضحية " كمال المطماطي ".
وقد طالبت  زوجة الضحية  ووالدته وبقية أفراد عائلته بمحاسبة المورطين والكشف عن مكان الجثة التي ما زال  مجهولا إلى يوم  الناس هذا .
ولعلّ ما ميّز هذه الجلسة  غياب كافة المتهمين وأبرزهم  مثلما نعلم اثنين من رموز النظام السابق وهما عبد الله القلال ومحمد علي القنزوعي  بوصفهم فاعلين أصليين في جريمة تعذيب وقتل الشهيد كمال المطماطي أو مشاركين فيها  وهذا ما جعل ممثلة إحدى المنظمات الحقوقية العالمية تقول إن هذه المحاكمة "  رمزية وصورية " في حين   اعتبرها  البعض " شمعة مضيئة في تاريخ القضاء التونسي " ..
وبفضل العدالة الانتقالية وهيئة الحقيقة والكرامة التي عملت أطراف كثيرة على عرقلة أعمالها عرف التونسيون القصة الحقيقية  على أوسع نطاق وأن  الشهيد كمال المطماطي مات  تحت التعذيب الوحشي الذي ناله من بوليس بن علي . ولم يتم إعلام عائلته بوفاته  إذ  ظّلت والدته على سبيل المثال تزوره بين الحين والحين في سجنه وتحمل إليه الطعام  ولم تكتشف أنها عاشت  في وهم وحلم إلا بعد ثلاث  سنوات عندما علمت بأن " القفة " التي كانت تحملها لابنها في سجنه لم تكن تصله أبدا ... لسبب بسيط وهو أن ابنها مات قبل 3 سنوات .
ولعلّ الأتعس من ذلك أن النظام قام بدفن الجثة  ولا أحد يعلم إلى اليوم مكان دفن  الجثة . وهذا ما جعل عائلته تخاف من أن يكون آخر الشهود الذين يعرفون مكان الدفن قد ماتوا .
هذه القضية وبالرغم من أنها بادرة أو شمعة قد تضيء درب الحقيقة الذي ظلّ مظلما  سنوات  طويلة فهي قد كشفت لنا منذ جلستها الأولى وجهين قبيحين مرتبطين بممارسات  نظامي بورقيبة وبن علي بالرغم من أن البلاد قامت بها ثورة . الوجه الأول هو الغياب الكلّي للمتهمين  وهو غياب يفرض أكثر من سؤال وأكثر من نقطة استفهام . فهل " اتّفق " كافة المتهمين مثلا عل الغياب عن هذه الجلسة ؟. هل هي صدفة  أن العديد منهم  لم يبلغه الاستدعاء  بمن فيهم الشهود أيضا ؟.  هل  " اتّفق " كافة المكلّفين بالتبليغ على عدم التبليغ رغم أن المتهمين والشهود يقطنون بأماكن مختلفة ؟...
إنها مجموعة من التساؤلات المشروعة التي يمكن أن نستخلص من ورائها أن الإرادة  السياسية في كشف الحقيقة غير متوّفرة بل الإرادة موجودة ربما في قبر الحقيقة وطمسها ودفنها لأنها قد تكون موجعة  وتشمل الكثير من الأطراف التي تمسك اليوم بزمام الأمور.
أما الوجه القبيح الثاني وهو مرتبط بالوجه الأول  فهو التناول الإعلامي لهذه القضية التي كادت جلستها الأولى تمرّ في الخفاء لولا اجتهاد بعض الصحافيين المراسلين في قابس وبعض المحاولات الأخرى من هنا وهناك . وبما أن العديد من وسائل الإعلام  التي بتنا نعرف  ما يوجد داخل أحشائها وأحشاء من وراءها عوّجتنا على نوع من التعامل  التعيس أو الموجّه مع مثل هذه القضايا فقد حرصت كالعادة  على التعتيم وعلى ضرب حصار حول المعلومة  لأنها ( أي هذه الوسائل الإعلامية ) تدرك أن  كشف الحقيقة  سيلحق الضرر بالبعض من أولياء النعمة أو أقاربهم  أو أصدقائهم . لذلك هي تعمل على طمسها  بكافة الوسائل الممكنة وحتى الرخيصة .
ولعلّ في قرار الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بقابس تأجيل  هذه القضية إلى يوم 10 جويلية القادم  " لاستدعاء من لم يبلغه الاستدعاء من المتهمين والشهود واستجابة لطلب المتضررين في هذه القضية حتى يتسنى لهم تقديم طلباتهم " . سؤال إضافي  خاصة أن هذا التاريخ يأتي 3 أيام فقط قبل العطلة القضائية ... ومن هنا إلى ذلك الوقت ... تموت ناس وتحيا ناس ...
جمال المالكي

التعليقات

علِّق