في برنامج " هاذي آخرتها " لبرهان بسيّس : " درس بليغ " في تمجيد الاستعمار وإحياء " الحنين إلى الماضي "

في برنامج " هاذي آخرتها " لبرهان بسيّس : " درس بليغ " في تمجيد الاستعمار وإحياء " الحنين إلى  الماضي "

أثار برنامج " هاذي آخرتها " الذي  يقدمه برهان بسيّس على قناة التاسعة موجة واسعة من الانتقادات والرفض لما تضمّنه في حلقة أمس الخميس من " درس بليغ " في تمجيد الاستعمار الفرنسي البغيض ومحاولة لتبييض تلك الحقبة التعيسة من تاريخ تونس الأحرار وإظهارها في صورة إيجابية لم تكن بها يوما من الأيام .

في هذه الحصة لم يدّخر لطفي العماري أي جهد ليحاول أن يقنعنا بأن للاستعمار الفرنسي إيجابيات ( وسلبيات أيضا ) وأنه " من الجحود " ألّا نذكر تلك الإيجابات حسب قوله طبعا. العماري " تفنّن " في إظهار أن فرنسا بنت الكثير من المدارس والمعاهد والمستشفيات ... وشيّدت الكثير من البناءات في كل من الجريصة ومنزل بورقيبة والمتلوّي ( الحوض  المنجمي عموما ) وأن تلك " الإنجازات " استفاد منها التونسيون لنشر التعليم والصحة في أنحاء كثيرة من البلاد... وأنه لولا " إنجازات فرنسا " لبقينا عدّة عقود أخرى من القوم " الجهلوت ".

المشكل في كل هذا أن العماري لم يتحدث عن هذه الأمور في سياق  " تاريخي "  يذكر ما حصل دون تعليق مهما كان نوعه بل تحدّث عن ذلك " بخبث " وكان يوجّه الحديث من أجل غاية واحدة وهي إظهار أن تلك الحقبة الاستعمارية كانت أفضل من الحقبة الحالية التي تعيشها تونس اليوم ... لطفي العماري تعمّد أن يذكر أن ما بناه الاستعمار في تلك الحقبة لم يكن لسواد عيون التونسيين بل كان لخدمة أبناء المستعمر الذين يعيشون في بلادنا . فعلى سبيل المثال فقد بنى منازل كثيرة في عين دراهم وطبرقة وبني مطير والنفيضة والجريصة والحوض المنجمي وقام بإنشاء شبكة كهرباء في مناطق وعرة جدا لكن هل كان ذلك من أجل عيون التونسيين؟. لقد كان للإستعمار أعوان ومعمّرون يسعى إلى أن يعيشوا في ظروف طيّبة وفي راحة تامة ومحيط صحّي فبنى لهم منازل " رفاهة " في الكثير من المناطق بالشمال الغربي خاصة ولم تكن تلك المنازل والإقامات أبدا لفائدة التونسيين الذين كانوا يرون كل ذلك بأعينهم وهم لا يقدرون على شيء.

أما في منزل بورقيبة والجريصة والحوض المنجمي والنفيضة فلسائل أن يسأل : لماذا ولمن يبني الاستعمار منازل ومرافق في هذه المناطق ؟. أما الجواب فهو لا يحتاج إلى فلسفة كبيرة لأنه واضح ولا يحتمل التأويل. ففي هذه المناطق كان الاستعمار ينهب الحديد والفسفاط وخيرات الأرض الأخرى ( قمح وخضر وغلال ) وكان مواطنوه يشرفون على ذلك النهب فكان من أبسط الأمور أن يبني لهم مرافق تجعلهم قريبين من مواقع الإنتاج ولا أعتقد أنه يوجد تونسي واحد قد استفاد من تلك البناءات ما عدا المتعاونين مع الاستعمار طبعا ... إلى جانب أن الاستعمار كان يستغلّ سكان تلك الجهات في استخراج الخيرات ثم تصدير جزء هام منها إلى فرنسا .

وفي باب الحنين إلى الماضي أيضا تحدّث برهان بسيّس عن التعليم في عهد بن علي غامزا بأنه كان أفضل معدّدا بعض " الخصائل " ومنها على وجه الخصوص " برنامج حاسوب لكل بيت " الذي تم تنفيذه في ذهن بسيّس وأمثاله ولم ينتفع منه في الواقع أكثر من " أربعة " أشخاص في البلاد وأربعة آخرين من العائلة المالكة أو من حاشيتهم احتكروا سوق بيع الحواسيب واستفادوا منها أيّما استفادة.

وفي هذا البرنامج لاحظنا أن هذا الموضوع كلّما اقترب من نهاية الحديث عنه كلّما قام برهان بسيّس بخطوة إلى الوراء ليذكيه من جديد كي يتواصل الحديث و " يحقق الغاية المنشودة منه ".

ولم تفلح المحاولات المحتشمة التي قام بها خاصة مراد الزغيدي من أجل إحداث نوع من التوازن أو طرح جزء من الحقيقة على الأقل  لا في إحداث التوازن ولا في تبيان بعض الحقائق لأن الرغبة كانت واضحة في أن يسار بالحديث نحو وجهة معيّنة لم تعد الغاية منها تخفى على أحد.

وحتى لا أطيل أكثر في الحديث عن هذا الموضوع أكتفي بالتذكير بتلك القولة الشهيرة التي صدرت عن لطفي العماري في ذلك اليوم الذي " أكل " فيه الرئيس الفرنسي " ماكرون " صفعة من أحد المواطنين شاهدها وتحدث عنها العالم كلّه إذ قال العماري بالحرف الواحد : " هو ضربو من غادي وأنا خدّي وجعني ..." وكان في تلك اللحظات ( نفس اليوم ) غاضبا حانقا على " الجاني " وطالب " بكل شدة وحزم أن يحاكم فورا على فعلته.

وأعتقد أن الربط بين هذه القولة وبين موقف لطفي العماري البارحة جائز ومنطقي ومن حق أي واحد أن يستنتج منه ما يشاء.

جمال المالكي

 

التعليقات

علِّق