فرنسا برتبة رئيس في زيارة تكريم لسيدة بقامة وطن

فرنسا برتبة رئيس في زيارة تكريم لسيدة بقامة وطن

بدأ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون زيارته إلى بيروت هذه المرة التي تأتي بمناسبة الإحتفال بذكرى مائوية تأسيس دولة لبنان بزيارة الأيقونة السيدة العظيمة فيروز التي تحظى بتقدير كبير ومكانة خاصة لدى الفرنسيين خصوصا أنها من أبرز عظماء وعمالقة الفن العربي والعالمي الذين غنوا على مسرح الأولمبيا العريق وكان ذلك تحديدا سنة 1979 عندما كانت نيران الحرب الأهلية مشتعلة على أشدها في لبنان غنت فيروز لباريس
" باريس يا زهرة الحرية يا ذهب التاريخ يا باريس
لبنان بعثلك تحية من قلبي سلام ومحبة "
وقد لبى ماكرون دعوة العشاء الذي أقامته على شرفه سفيرتنا إلى النجوم و قام بتكرميها ومنحها أرفع وسام فرنسي "وسام جوقة الشرف الأعلى" الذي يمنح عادة لكبار الشخصيات العامة و الرسمية والسياسية والثقافية في فرنسا في العالم تقديرا لمجهوداتها في سبيل الرقي بالإبداع الفني والثقافي وتكريما لعطاءها الزاخر للفن العربي الذي تجاوز النصف قرن من الزمن.
وهذه ليست أول مرة تكرم فيها فرنسا الرسمية الممثلة في رئيسها هرم لبنان الفني إذ سبق أن تم تكريمها من قبل الرئيس فرانسوا ميتران بوسام قائد للفنون والآداب سنة 1988 ومنحها الرئيس جاك شيراك وسام فارس جوقة الشرف سنة 1998.
وفيروز بدورها أهدت الرئيس الفرنسي لوحة فنية تشكيلية منحوت عليها إسم "ماكرون" مصنوعة من الخشب الرفيع الأصيل .
ماكرون ابتعد هذه المرة عن الفرقاء السياسيين اللبنانيين المختلفين في كل شىء والمنقسمين سياسيا وايديولوجيا وطائفيا ودينيا ومذهبيا وأخذ نوعا من المسافة معهم وتوجه إلى سيدة الطرب العربي التي إتفق على صوتها كل اللبنانيين الذين يكنون لها الكثير من المحبة والتقدير والإجلال وعشقها العرب والعالم بأسره وهذه سياسة إتصالية ناجحة ولفتة ذكية وخطوة دبلوماسية تحسب للرئيس الفرنسي ولرصيده السياسي وعلاقاته الدولية الإستراتيجية.
وهذه الزيارة الماكرونية لإكرام أيقونة الفن العربي فيروز تحمل في طياتها دلالات رمزية ومعاني وأبعاد عديدة كذلك رسائل واضحة ومضمونة الوصول إلى المسؤولين السياسيين اللبنانيين كونه قيمة وقداسة فيروز في لبنان تأتي أهم بكثير من حجم السياسيين ولاشك في ذلك ففيروز هي رمز لبنان الحضاري والثقافي والإنساني إذ صوتها يمثل أفضل عنوان يعرف لبنان ويعبر عنه فهو كانت ولا تزال سفيرة مميزة فوق العادة له
في العالم وصوتها هو ناطقا رسميا باسم قضاياه وهمومه ومآسه زمن السلم والحرب طوال مسيرة المطربة الكبيرة التي تتجاوز الستين عاما من العطاء والإبداع الفني الراقي والتي عبرت فيها عن هموم وطنها لبنان وقيم الحب والسلام والحرية والقضايا الإنسانية العادلة ليتجاوز صوتها الفيروزي العذب الساحر كل الحدود العابرة وتصبح فيروز رمزا عالميا وإنسانيا.
فيروز هي ملكة القلوب التي أحبتها كل الأجيال ويصح أن ينطبق عليها عنوان قصيدة "شعوب من العشاق" للشاعر الكبير الراحل أنسي الحاج التي غنتها وأبدعت فيها الفنانة القديرة ماجدة الرومي.
إضافة إلى صوتها الفيروزي العذب ؛ حباها الله بأجمل الصفات البشرية فهي تتحلى بالجمال والسحر والرقة والثقافة الواسعة وسمو الأخلاق العالية والوطنية الصادقة في أرقى معانيها ؛ فهي الفنانة المناضلة الثورية التي صمدت في سنوات الحرب الأهلية السوداء العصيبة ؛ إذ لم تهرب من لبنان أيام جمر لهيب الحرب اللبنانية على عكس كبار النجوم والمشاهير آنذاك ودفعت الثمن غاليا حيث إستشهدت في عز الحرب الأهلية إحدى أبنائها الأربعة المرحومة ليال وهي في زهرة وريعان شبابها فبكتها الأم الثكلى فيروز الموجوعة بفقدان فلذة كبدها وتألمت كثيرا لخسارة هذه الإبنة الشابة لكنها صمدت وصبرت بكثير من الإيمان إذ واجهت مأساتها الشخصية والإنسانية التي إلحتمت مع مأساة ونكبة الوطن الجريح لبنان لتكتب سطرا جديدا في الصمود والثورة وإنتاج أجمل الأغاني الوطنية.
فيروز هي الشاهدة على تاريخ لبنان المعاصر في كل مراحله ؛ في نكبته وهزيمتة في إنتصاراته وإنكساراته فهي المطربة والفنانة اللبنانية والعربية الأولى التي إفتتحت أول حفل فني غنائي وسط بيروت في ربيع عام 1994 بعد إعادة إحياء وإعمار وتعمير رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري لمدينة بيروت وغناءها في ذلك اليوم المشهود الذي يشكل حدثا فارقا في تاريخ مدينة بيروت "ست الدنيا" المدينة التاريخية الساحرة المنكبوبة، الجريحة، الشاهدة والشهيدة في آن واحد يحمل رمزية كبيرة في ذاكرة جميع اللبنانيين بعد صراعات وحروب دامت لمدة 15 سنة دمرت وخربت الوطن والعباد فكيف لا وهي أرزة لبنان ورمز الحب والسلام والحرية والثورة التي أنشدت بقداسة صوتها الذي كان بمثابة البلسم لحقن دماء اللبنانيين وتوحيد صفوف الزعماء السياسيين المشتتين الذين كانوا حاضرين بإجماع في ذلك الحفل الأسطوري المهيب معلنة فيه فيروز نهاية الحرب الأهلية وبداية عهد جديد للبنان وللبنانيين .
بإختصار هذه فيروز الفنانة، الإنسانة والأسطورة الحية التي غنت الكثير للبنان
"بحبك يا لبنان" "وطني" "لبيروت"."احكيلي عن بلدي"....للقضية الفلسطينية
"يا قدس يا مدينة السلام" للعشاق وللإنسانية جمعاء روائع الأغاني والقصائد والأشعارالوطنية والعاطفية المتميزة والخالدة الراسخة في ذاكرة الملايين من شعوب العالم.
فهل سيكون لها دورا رياديا هذه المرة في توحيد شتات الفرقاء السياسيين اللبنانيين
في هذة المرحلة العصيبة والمحنة الصعبة التي يمر بها لبنان كما عهدناها في السابق خصوصا بعد ما تم تداوله حول كواليس وأسرار اللقاء المغلق الماكاروني الفيروزي!
يسر العوني

التعليقات

علِّق