غزة والأجوبة المستبطنة...
بعد أن وضعت حرب الابادة أوزارها ولو لحين، دقت ساعة كشف الحساب بمفردات "الربح" و"الخسارة" بين حركة حماس والكيان الصهيونى .
وفق عمليات سبر الأراء، زهاء نصف من الاسرائليين يساندون استمرار الحرب الى أن تتم ابادة اخر طفل وامرأة غزّاوية على وجه الأرض، مما يؤكد مرة أخرى الطبيعة المزدوجة العدوانية - الهولاكية للمجتمع الاسرائيلى برمته الذى لم يتحرّر بعد من عقدة "المسادا" الموغلة فى التاريخ - راجع مقالى الصادر بنفس الصحيفة " اسرائيل وعقدة المسادا" -.
فى الجانب الاخر من المعادلة، أطلّت علينا أصوات من هنا وهناك تشيد بالنصر التاريخى الذى تحقق بمجرد توقيع الاتفاق متجاوزة حقيقة أن ديمومته تتوقف على المزاجية العالية للرئيس الأمريكى "ترامب" وحكومته القريبة جدا من الدوائر الصهيونية الاسرئيلية وحكومتها الفاشية ...
اذا من المستفيد من عملية التوقيع على ايقاف وقف اطلاق النار ؟ أباطرة اسرائيل التى تلاحقهم الجنائية الدولية لارتكابهم جرائم ابادة جماعية لم يشهد لها مثيل التاريخ القديم والمعاصر أم قيادات حركة حماس الموجودة بالداخل والخارج ؟
ازاء هذه المشهدية الملتبسة نحاول توخى مقاربة الأجوبة المستبطنة - الأسئلة التى تجيب عن نفسها بنفسها - دون الحاجة الى جهبذ فى العرافة الاسترتيجية وهم كثر بالمناسبة هذه الأيام ...
1- العناصر البارزة من المعادلة :
+ بالنسبة للكيان الصهيونى
هل حققت اسرائيل أهدافها الكبرى المتمثلة فى تهجير الفلسطينين خارج القطاع والقضاء على حركة حماس بروافدها السياسية والأهلية والعسكرية ؟
هل يمكن اعتبار الدمار وقتل المدنيين بالألاف رديف للانتصار فى قواميس الحروب أم انه جزء لا يتجزء من العقيدة العسكرية المتوحشة لاسرائيل ؟
من وجهة نظر العلوم العسكرية الصرفة، كيف يمكن تفسير التفوق الميدانى البيّن لقذائف الياسين 105 المٌعدّلة فى مواجهة دبابات "الميركافا" مفخرة الالة العسكرية الاسرائيلية بامتياز ؟ ألا ينطوى ذلك على درجة عالية من التطوير والكفاءة التقنية التى بلغتها فصائل المقاومة فى غزة ؟
ألم يساهم سلاح الجو الاسرائيلى بشكل مباشر فى قتل العديد من مواطنيه الرهائن لدى المقاومة، وبتشكيل جغرافيا قتالية ملائمة لاصطياد جنوده ومدرعاته ؟
ما الذى حققه هذا الكيان الفاشى من مكاسب دولية استراتيجية سوى التسريع من وتيرة تنفيذ مشروع حل الدولتين والاحساس بالغثيان والتقزز لدى الرأى العام الدولى بمجرد سماع عبارة "دولة اسرائيل" ؟
+ بالنسبة لحركة حماس
كيف يمكن القيام بعملية عسكرية بحجم 7 أكتوبر دون التحسب والتخطيط المسبق لردة فعل اسرائيلية مدمرة شاملة ؟
ألم يتحول طوفان الأقصى عمليا الى سيول جرفت الأخضر واليابس فى قطاع غزة ؟
ألا يقع واجب حماية المدنيين على حركة حماس التى تسيطر على القطاع منذ سنة 2006 ؟
ألم يكن من الحرىّ تخصيص جزء من الأنفاق التى تمتد على مئات الكيلومترات كملاجىء للمدنيين الغزيين توقيا من القصف الجوى الاسرائيلى الهمجى المتوقع وذلك قبل موعد انطلاق العملية ؟
هل يمكن الحديث عن منسوب متبقى من الحماسة "لحماس" فى القطاع بعد كل هذا الخراب والأنهار من الدماء ؟
2- ألعنصر المٌغيّب تماما من المعادلة :
ألم تقهر اسرائيل بفعل غريزة البقاء للغزاويين ؟
ألم يسقط أهل غزة وابناءها الأشاوس من فصائل المقاومة تنفيذ "خطة الجنرالات" من داخل ركام أحياء "جباليا" وشمال القطاع ؟
ألم تكن شواطىء غزة مرفأ للأسلاف الأوائل من الكنعانيين منذ ألاف السنين ؟
ألم يقدموا للعالم درسا فى الصمود الأسطورى ستداوله أجيال وأجيال ؟
ألا يستحق أهل غزة لقب "طائر الفينيق" الذى ينهض من جديد من الرماد ؟
فى المحصلة، تشير النتيجة "البيتاغورية" للمعادلة بمنتهى الوضوح الى الحاصل الايجابى لشعب غزة بمختلف فعاليته المدنية والصحفية يوازيه انكسار استراتيجى لارادة اسرائيل فى مواجهة شعب يتنفس ويتغذى من غبار غزة وأديم ارضها، وتاكل تدريجى للرأس المال الرمزى لحركة "حماس" الى حين اشعار اخر...
*محجوب لطفى بلهادى : متخصص فى التفكير الاستراتيجى
التعليقات
علِّق