عندما يتجاوز التطبيع مرحلة " الخلسة " إلى مرحلة الوقاحة والعلن ويضع سياسيّينا في موقف حرج

عندما يتجاوز التطبيع مرحلة " الخلسة " إلى مرحلة الوقاحة والعلن ويضع سياسيّينا في موقف حرج

بكل ثقة في النفس جاءنا  المدعو  نعمان الشعري  منذ يومين في برنامج نوفل الورتاني " لمن يسهر فقط "  على أساس انه موزّع موسيقي له باع وذراع في هذا المجال . لن أناقش هذا لأن المسألة بدت بعد ظهوره في البرنامج أعمق بكثير من دعوة موزع موسيقي وإلى جانبه فنانة ( إيمان الشريف ) التي شهدت بأن لها تعاملات ناجحة معه. فالأمر يتعلّق بكل بساطة بمسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب. والتطبيع مثلما نعلم بات كالثعبان يسري في أجسام الأقطار العربية واحدا بعد واحد وآخرها المغرب بعد أن نخر جسدي الإمارات والبحرين.

التطبيع أصبح ثقافة رائجة تعمل جهات عدّة على دعمها والترويج لها بكافة الأساليب المتاحة . ويتأكّد من خلال " العركة المفتعلة " التي نسجها البعض خلال البرنامج مع نعمان الشعري أن الحكاية أعمق بكثير مما ظهر لنا في الصورة . فالخلاصة التي يخرج بها أي متابع يتقن قراءة ما بين السطور هي أن الاستضافة بدأت بعض الانفعال الصادر من قبل  البعض وانتهت بما معناه " لكم دينكم ولي ديني " أي ما يعني أن  " السيّد " حرّ في النهاية ...  يطبّع أو لا يطبّع فذلك شأنه ... أما نحن فقد ساعدناه على  إبلاغه آرائه ومواقفه فلا تنسوا مزيّتنا عندما يجدّ الجدّ ويأتي وقت " الجوائز".

وحتى إن تظاهر " السيّد " بأنه لا يفرّق بين التطبيع الفنّي والتطبيع السياسي فإنه كان واضحا أنه مقتنع تمام الاقتناع بما فعل وسيفعل. ولعلّ ما يثير الدهشة حقّا أنه حاول أن يفهمنا أن تعامله مع الفنان الإسرائيلي يدخل في إطار " التعايش والتسامح بين الأديان " وكأن الإشكال الكبير اليوم هو " التطاحن " بين الأديان والحال أننا في تونس مثلا لا توجد لنا مشاكل تذكر مع اليهود التونسيين والمسيحيين التونسيين ولا مع أي شخص آخر يحمل ديانة أخرى ويعيش بيننا  منذ عشرات السنين أو حتى يزورنا لعدد محدود من الأيام . فهل إن مشكلتنا ( نحن التونسيين والعرب عموما والمسلمين ) أننا في " حرب " مع الديانة اليهوديّة أم إننا في حرب مع الصهاينة الإسرائيليين الذين يدرك العالم أجمع حجم جرائمهم وفظاعاتهم ومجازرهم التي ارتكبوها منذ عقود وما زالوا يرتكبونها إلى اليوم على الأرض التي اغتصبوها : أرض فلسطين ؟؟؟.

لقد  تحدّث " السيد " بكل جرأة ووقاحة ملامسا تلك القناعة التي يتوارثها التونسيين أبا عن جدّ وهي أن الصهاينة مغتصبون وأن فلسطين أرض محتلّة ومغتصبة وأنه لا مجال إلى التفاوض مع المحتلّين إلا إذا اعترفوا بحقوق الشعب الفلسطيني وأعادوا تلك الحقوق إلى أصحابها ... متحديّا إرادة أغلب التونسيين في هذا المسألة التي تكاد تكون من مقدساتنا . ولعلّ ما بات يشجّع هذا " السيّد " وأمثاله بعد أن كانوا " يبيعون التطبيع خلسة " فهو أن العديد من أشباه السياسيين عندنا أعطوهم الفرصة للخروج من السريّة إلى العلن عندما أسقطوا في مرتين على الأقل مشروع قانون يجرّم التطبيع فصوّت ضدّه من يدّعون أنهم " ثوريّون " وداعمون تاريخيون للقضية الفلسطينيّة. واليوم أصبح السؤال قائما : لو صوّت هؤلاء السياسيون مع تجريم التطبيع فأصبع قانونا يعاقب من يجرؤ على ذلك هل كان لهذا " السيّد " أن يتجرّا وأن يجاهر بالتطبيع أمام ملايين من التونسيين.

وفي خلاصة القول فقد وضع هذا المخلوق اليوم ساسة البلاد في موقف حرج إذ لم نسمع ردود فعل واضحة إزاء ما فعل . فهل يدخل ذلك في باب التشجيع الخفيّ خاصة أنه لا يخفى اليوم ما يقال عمّا تقوم به الإمارات وبعض الأطراف الأخرى التي تدفع بسخاء من أجل دفع التونسيين إلى الالتحاق بركب الدول التي خانت وانخرطت في منظومة التطبيع ؟.

وأختم بسؤال لا شكّ أنه تبادر إلى أذهان العديد منكم وهو : ما موقف رئيس الجمهورية من هذا التطاول الذي قام به هذا المواطن ونحن ما زلنا نذكر أن الرئيس أكّد بما لا يدع أي مجال للشك أن التطبيع خيانة عظمى؟؟؟.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق