صنّاع الإشاعات في تونس : هل هم فعلا أذكياء أم إننا شعب أحمق سرعان ما يصدّقهم ويصدّق ألاعيبهم ؟

صنّاع الإشاعات في تونس : هل هم فعلا أذكياء أم إننا شعب أحمق سرعان ما  يصدّقهم ويصدّق ألاعيبهم ؟

من حين لآخر تسري على وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك على بعض وسائل الإعلام  " أخبار " سرعان ما تنتشر وتثمر ردود أفعال مختلفة ... أغلبها منتظر حسب ما خطّط له مروّجو تلك الأخبار. وفي النهاية يتّضح أنها كانت مجرّد إشاعات يتم " زرعها " عمدا لغرض ما أو لتحقيق هدف عجزت بعض الأطراف عن تحقيقه بالوسائل العادية أو من خلال الحقائق والوضوح .

ومع كل مرّة نلاحظ ويلاحظ التونسيون أن نفس الوجوه التي أكلها الغبار تعود بقوّة لتتصدّر المشهد الإعلامي فتفتي وتحلّل وتناقش أشياء إما قديمة وتمّ النفخ فيها من جديد وإما غير موجودة أصلا . والإشاعات التي نعني لا تقتصر على مجال معيّن إذ هي تغذّي الغضب الاجتماعي أحيانا وتلعب على أوتار الخلافات السياسية أحيانا أخرى وتعزف على النعرات الجهوية في كثير من الأحيان في وقت ظننّا فيه أن منطق الجهويات قد ولّى واندثر .

ومنذ حوالي يومين تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإعلامية تسجيلا مصوّرا يبرز أحد أعوان الأمن  ( المرور ) وهو يخاطب شخصا كان يقود سيارته بكلام " عنصري " وجهوي مدان ومرفوض بكل المقايسس. وبسرعة نصبت " المحاكم " وجاء جهابذة التحليل الاجتماعي والسياسي وتعالت الأصوات المنددة المطالبة بتسليط أشد العقوبات عل  العون المذكور. وللأسف الشديد اتضح لأصحاب النوايا الصادقة أن التسجيل قديم وأن الحكاية حسمت وأنها  " نعرة " خاصة من ذلك العون لا تعكس موقف الأغلبية  الساحقة من التونسيين . وللأسف الشديد أيضا يبدو أن هناك من أراد إحياء تلك الحكاية لإذكاء نارها التي خمدت والهدف من ذلك واضح وهو بث الخلافات والتفرقة بين التونسيين من خلال تضخيم بعض الأحداث العرضيّة واللعب على أوتار الجهويات  وبعض الخلافات القديمة التي نعلم جميعا أن حاشية الرئيس الراحل بن علي هي التي زرعتها بين التونسيين وخاصة على المستوى الرياضي.

وفي نفس السياق أيضا راجت في اليومين الأخيرين صور لعربات مترو تحمل آثار تهشيم وتكسير وكتب عليها التعليق التالي "  مرة أخرى في رمضان ولليوم الثالث على التوالي يتم الإعتداء على عربات مترو تي - جي - أم ... فبعد أيام لن تجدوا عربة واحدة تعمل ....". وبالبحث قليلا في الذاكرة اتضح لنا أن الصور قديمة وتعود إلى شهر رمضان 2019 على ما يبدو حين شهدت العربات آنذاك بعض الاعتداءات خلال الأيام الأولى من ذلك الشهر. وقد اتضح لنا أيضا أن الذين نشروا الصور وتقاسموها وتداولوها لا تعني عربات قطار الضاحية الشمالية بل تخص عربات المترو رقم 6 أو رقم 4 وهي عربات مميزة مثلها مثل عربات قطارات الضاحية الشمالية ... وهذا يسمّى بكل بساطة حماقة ( حتى لا نقول شيئا آخر ) من قبل من سعوا إلى نشر تلك الصور لأهداف لا تبدو بريئة بكل تأكيد .

ويضاف إلى هذا كلّه  نشر ذلك الفيديو  الذي يظهر فيه رجل عار  أمام مقر رئاسة الجمهورية فتم الترويج  له على أنه  " مواطن غاضب يحتجّ على الأوضاع في البلاد "  واتضح بما لا يدع أي مجال للشك أنه رجل مريض فقد العقل و التمييز... شفاه الله طبعا .

إن " تدوير"  الأخبار الزائفة جزء من مخطط يهدف إلى تأزيم الوضع  أكثر فأكثر لتحقيق غايات رخيصة تستفيد منها جهات معيّنة لا علاقة لها بمصلحة  تونس والتونسيين لا من قريب ولا من بعيد .

 ولا شكّ أن " التدوير الإعلامي  " للإشاعات  يخدم  مصالح الاستبداد  وكل من حلّ في ركابه  سواء من أشخاص أو مجموعات ترفض أن تنخرط في منظومة الانتقال الديمقراطي لأنها ببساطة  لا تستطيع أن تحافظ على مصالحها وامتيازاتها في هذه المنظومة  " الغريبة " عنها .

ولا شك أن الكثير منكم يلاحظ أننا بصدد الانتقال أو التحوّل  من شعب ذكيّ إلى شعب أخرق وغبي  وأحمق مسلوب الحرية و التفكير و الإرادة وأن من من يقود هذا الشعب إلى الغباء ذكيّ  ويعرف ما يفعل وإلى أين يمضي  وه بلا شكّ  مزهوّ ويفاخر بجهل من يصدقّه وتنطلي عليه اللعبة بكل سهولة...

جمال المالكي

التعليقات

علِّق