شوقي قدّاس : الناس يجهلون خطورة " تشتيت " معطياتهم الشخصيّة والقضاء ليس متعاونا معنا

شوقي قدّاس :  الناس  يجهلون خطورة " تشتيت " معطياتهم الشخصيّة  والقضاء ليس متعاونا معنا


في إطار إطلاق جامعة " دوفين - تونس " الدورة الثانية من شهادتها " Data Protection Officer  "  المرتبطة بحماية المعطيات الشخصية كان لنا لقاء بمقرّها مع شوقي قدّاس رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية الذي حدّثنا بوصفه خبيرا في المجال عن أهمية حماية هذه المعطيات والرهانات الاقتصادية وعن ضرورة إدراج تكوين في المجال على غرار ما تفعل جامعة " دوفين - تونس " وخاصة في كليات الطب والعلوم التونسية .

بوصفك رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات  الشخصية كيف تعرّف هذه الهيئة وما هو دورها ؟
هذه الهيئة وعلى غرار كافة المنظمات الشبيهة الموجودة في العالم ( بين 120 و 130 منظمة )  لها نفس الدور الذي يتعلّق بأي حق إنساني تجب حمايته . وفي العادة فإن تشريعات الدولة لا تكفي . وفي الديمقراطية الحديثة هناك وعي بأن الهيئات الحكومية وحتى البرلمانية لا تكفي للحماية . ومن هنا تم إنشاء ما يعرف بالهيئات المستقلة التي تراقب مدى ملاءمة هذه الممارسات مع المعايير المحلية والدولية معا .
والهيئة تراقب لكنّها أيضا ترافق وتعلّم وتحسّس وتسمح بأن تكون " الدينامو " المحفّز لكل ما من شأنه أن يرفع مستوى الحماية على أي أرض معينة . إلا أنني لا أنقطع عن القول لكل من يطرح عليّ هذا السؤال إنه يمكنكم اليوم أن تتساءلوا عن الإشكالية التي تهمّ حماية المعطيات لكن الإجابة نفسها  يمكن أن تجدوها لدى كافة الذين يحمون المعطيات . إنه البديل أو الخصوصية التونسية في أنموذج من يحمون المعطيات الموجود في  أغلب أنحاء العالم .
ينصّ الفصل 24 على حماية " الحياة الشخصية " للمواطنين فهل توجد هوّة بين النصوص التشريعية والواقع الموجود على الميدان في ما يتعلّق بحماية المعطيات الشخصية ؟
منذ سنة 2011 لم أكفّ عن القول إن " النصّ لا يصنع الربيع " حتّى لو كان نصّا عربيا . وعلى هذا الأساس لم يكن الفصل 24 جديدا على تونس لأنه ليس سوى إعادة " مطوّرة " للفصل 9 القديم الذي كان يوجد في الدستور التونسي سنة 2002 . وهنا يجب القول إن تونس لم تدرج  حماية المعطيات  في مجموعتها القانونية مع مراجعة سنة 2002 بل مع أوّل نص تعلّق بالتجارة الالكترونية الذي تمّ سنّه سنة 2000 . لذلك كان  لدينا في أوت  2000  النص الأول الذي يتحدث عن حماية البيانات ... إذن هل يمكن لكافة القوانين الحالية وعلى رأسها الدستور والفصل 24 أن تحمي المعطيات أو أن لا تحمي ؟. ومثلما قلت لكم فإن النص لا يغيّر من واقع الأمور. فالنص يضع مشروعا  لبلوغ هدف ما . وحتى نبلغ هذا الهدف لا بدّ من وجود عناصر أخرى هامة جدا . وأعتقد أن أهمّ هذه العناصر التي تجعل الفصل 24 أمرا واقعا عند التونسيين هو تطوير الثقافة  التي تمرّ حتما عبر التعليم والتحسيس والتناول الإعلامي لهذا الموضوع . وهذا ما نحن بصدد فعله منذ أكثر من 3 سنوات .
في أي مستوى يمكن تصنيف تونس اليوم في مجال حماية المعطيات الشخصية وما هي العراقيل التي تعترضكم في هذا السياق ؟
إن أسوأ  ردّ  يمكن أن يلقاه  حامي البيانات  عندما يحاول الدفاع عن هذا الحق أن يسمع الناس يقولون : " أنا ليس لي ما أخفي " وهذا هو أوّل العراقيل وهو مسألة ثقافة أوّلا وأخيرا . وأعتقد أنه على الناس أن يكونوا مقتنعين وواعين  ولديهم المعرفة بالمخاطر التي تنتظرهم عندما يقومون بتشتيت معطياتهم الشخصية لأنه لا يمكن حماية الأشخاص بل على الأشخاص أن يحموا أنفسهم وفي حال وجود مشكل ما أن يلجؤوا للهيئة .
أما المشكل الثاني الذي يجب عليّ أن أتحدث عنه فهو أننا هيئة ليس لها حقّ تسليط العقاب . إذن نحن في حاجة إلى اللجوء إلى العدالة . وفي هذا الإطار أحلنا العديد من الملفات على العدالة حسب ما تقتضيه النصوص  الخصوصية الحالية  إلا أن العدالة لم تحسم في أي ملفّ منذ 3 سنوات . فعندما يكون لنا نصّ  نحكي عنه ونضعه في الواجهة فهذا أمر  جيّد لكن عندما لا نستطيع تطبيقه فكأنما لا يوجد أصلا . وحتى نتمكن من تطبيقه يجب على الناس أن يحترموه وأن يخافوا من القاضي الذي يمكن أن يسلّط عقوبات ضدّهم . وهنا أيضا أقول إن العدالة اليوم ليست متعاونة لأن القضاة أنفسهم لم يتلقّوا أي تكوين في مجال حماية المعطيات .
ما هي الرهانات الاقتصادية لحماية أفضل للمعطيات الشخصية في تونس ؟
إن التأثير الاقتصادي أننا بلد مستقبله أن يكون " بلد خدمات " . الفلاحة والسياحة قطاعان مهمّان دون شك لكن الخدمات تسمح بالكثير من الأشياء الأخرى في عالم  رقمي متغيّر . وحتى نكون بلدا  أكثر جاذبية  أعتقد أنه يجب أن نكون متناغمين مع المعايير الدولية وحماية الحقوق. فالمستثمر الذي يريد أن يتنقّل ويستقرّ في بلد ما يريد  الكثير من  المعايير المعينة  ويجب على مؤسساتنا أن تكتسب ردّة الفعل الإيجابية في الحماية لأنه لا يمكنها أن تعمل وأن تتعاون مع الآخرين في هذا العالم دون أن تكون متلائمة مع معايير الحماية .
ماذا يعني لك أن تطلق جامعة " تونس - دوفين " الدورة الثانية من شهادة " Data Protection officer  "  ؟
لا يمكن إلا أن أهنّئ نفسي عندما أرى هذا الأمر يتحقق في تونس . فمن المهمّ جدا أن ندرج هذه الإشكالية وأن ندفع المؤسسات التعليمية والتربوية إلى الخوض فيها . وأنا سعيد جدا لأن هذه الجامعة بدأت في هذا التمشّي وآمل أن تلتحق بها المؤسسات التونسية وأن تحذو حذوها  وتنسج على منوالها.
إن " دوفين " اليوم هي المؤسسة الوحيدة في تونس التي توفّر تعليما متعلّقا بحماية المعطيات . وأنا لن أنقطع يوما عن القول إنه يجب علينا أن ندرج هذه المسألة في برامج التعليم وخاصة في كليات الطب والعلوم التونسية لأنه لا يعقل أن يتخرّج طبيب أو مهندس في الإعلامية ولم يتابع في حياته ولو ساعة واحدة في ميدان حماية المعطيات . ورغم ذلك أرى أن مندوبي حماية المعطيات (DPO )  سيكون لهم في المستقبل وزن مهمّ جدا  وأهمّ من سلطات الرقابة ذاتها . وعلى هذا الأساس من المهم جدا أن يخضع هؤلاء المندوبون إلى التكوين وأن تكون المؤسسات التونسية هي من يطلب هذا التكوين . وفي النهاية أهنّئ جامعة " دوفين - تونس " على هذه المبادرة  وكدليل على نجاحها فهي تعدّ لدورة ثانية  وأتمنّى أن  تنجز  الجامعات التونسية مثلها وأن تقتفي أثرها في هذا المجال .
 

التعليقات

علِّق