" شال " تتخلى عن استغلال حقل " مسكار" وتهرب : أوعندما يصوّر بعضهم الفشل الذريع كإنجاز وطني!

" شال  " تتخلى عن استغلال حقل " مسكار"  وتهرب : أوعندما يصوّر بعضهم  الفشل الذريع   كإنجاز وطني!

تبادل الكثير من التونسيين هذه الأيام  " التهاني الحارّة "  على مواقع التواصل الاجتماعي ( وخاصة أنصار الرئيس قيس سعيّد ) بمناسبة الإعلان الرسمي عن مغادرة شركة  " شال " بلادنا. ودار الحديث عن " تأميم " حقل " مسكار " وعن بطولة وطنيّة " جاءت في وقتها بعد أن عانت تونس من استغلال الشركات الأجنبية عقودا  طويلة من الزمن".

وتحدّث " المنتصرون " عن نجاح سياسي ليس له مثيل لأن الدولة ( حسب رأيهم ) حققت إنجازا تاريخيا من خلال تأميم استغلال حقل " مسكار " الذي كان مملوكا بنسبة 100 بالمائة من قبل شركة " شال "  التي امتلكته بعد أن اقتنت شركة " British Gaz " بما أن استغلاله سيكون من قبل شركة " APO " التي باتت منذ بضعة أشهر تابعة للشركة التونسية للأنشطة البترولية (ETAP )  بنسبة 100 بالمائة.

وبعيدا عن " العنتريات " وكلام الشعر والخيال يجب أن نتّفق منذ البداية وبأعصاب هادئة أن الدولة التونسية لم تكن صاحبة القرار ( التخلّي والمغادرة والتأميم إن شئنا القول ) بل إن شركة " شال " هي التي قررت أن تتخلّى عن حقوقها في تجديد عقد استغلال الحقل.

وإضافة إلى ذلك أعلنت الشركة عن توقف أنشطتها في تونس لعدّة أسباب منها " عدم الاستقرار السياسي وتشدد السلطة التشريعية والتعطيل العشوائي للإنتاج  وعدم خلاص المستحقات في آجالها من قبل " الستاغ " في ما يتعلّق بالغاز " بالإضافة إلى المداخيل الضئيلة جدا  لمثل هذه  الحقول الطبيعية التي وصلت إلى أواخر عمرها الافتراضي... في حين وجّهت الشركة اهتماماتها نحو الاستثمار في الطاقة الخضراء الأقل تلويثا للبيئة والمحيط ومن  تقليص حاجتها للبترول عموما.

وللتذكير فإن " شال "  تستغلّ حقلين غازيين وهما " مسكار " الذي تملكه بنسبة 100 بالمائة  وحقل " صدربعل " الذي تملك منه 50 بالمائة مع الشركة التونسية للأنشطة البترولية.

ويوفّر الحقلان حوالي 60 بالمائة من الإنتاج الوطني من الغاز الطبيعي . أما الباقي ( 40 بالمائة ) فيتم تأمينه من خلال حقل " نوّارة " المملوك  بالتساوي من قبل شركة " OMV "  وشركة " ETAP "  وحقل " الشراقي " المملوك من قبل شركة " ETAP "  بنسبة 55 بالمائة وشركة " ENI " بنسبة 45 بالمائة.

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن إنتاجنا الوطني من الغاز الطبيعي لا يغطّي إلا 30 بالمائة من حاجاتنا منه وأن الفارق في الحاجة نستورده من الشقيقة الجزائر.

وعودة على موضوع  " شال " لنشير إلى أن استغلال حقل " مسكار " ينتهي في 30 جوان 2022 وأنه بعد قرار الشركة مغادرة البلاد عادت ملكية  الحقل بنسبة 100 بالمائة إلى الدولة التونسية.

ولعلّ ما يهمّ أيضا في هذا الموضوع أن بعضهم  يحاول  هذه الأيام أن يوهم التونسيين بأن  مغادرة " شال " ستعود بالمنفعة الكبيرة على تونس . إلا أن هؤلاء يخفون الحقيقة التي تقول إن شركة " APO " التابعة لشركة الأنشطة البترولية لا تملك الوسائل ولا الخبرة لاستغلال هذا الحقل لفائدة الدولة التونسية.

ولعل الأتعس من هذا أن " شال " عندما أخذت قرارها بالمغادرة فقد تكون فكّرت في تفادي التكاليف الباهظة لتفكيك المنشأة وفق المعايير الدولية لتجنب التلوث ومغادرة الحقل  الذي شارف على مراحله الأخيرة في الإنتاج وهي تكاليف قدّرها بعض الخبراء بنحو مليار دولار. وقد كان على الشركة أن تتحمّل هذه التكاليف لو أنها قامت بتجديد عقد الاستغلال أو أن مستثمرا أجنبيّا حصل على امتياز استغلال حقل " مسكار ".

وبناء على هذا سيكون على الدولة التونسية أن تتحمل  هذه التكاليف وأن تواجه بمفردها هذه الوضعية الجديدة التي كنّا سنقول إنها " انتصار " وطني وتأميم صحيح لهذه المنشأة لو أن الأمر جاء في ظروف أفضل م ناحية التمويل ولو أن الحقل ما زال في أطوار الإنتاج الأولى. أما أن تسير الأمور بهذا الشكل فلن نقول إنها " مصيبة جديدة " حلّت بنا حتّى لو تكون مؤقتة.

ومن جهة أخرى فإن رحيل " شال " يؤكّد مرّة أخرى ظاهرة مؤسفة وهي هروب الشركات البترولية الأجنبية تباعا من بلادنا لأسباب مختلفة لكنها لا تشرّفنا في النهاية. فبعد شركات " ENI " و " EnQuest " و " Shell exploration " و " Petrofac " و " Gulfsands Petroleum "  فإن القائمة مرشّحة لتكون أطول وأكثر لأن الشركات التي اختارت مؤخّرا أن تستثمر في تونس على غرار شركة " Mazarine " و " ATOG "  قد تغادر بدورها بسبب ما تلقى من صعوبات وعراقيل ومناخ عمل لا يشجّع أصلا على العمل.

وعلى الرغم من تفاقم هذه الظاهرة التي تستمر في تقليص إنتاجنا الوطني من  النفط والغاز وتفاقم عجز الطاقة وتأثيره  على الاقتصاد التونسي   فإن سياسيينا يواصلون  الاهتمام بأمور أخرى  ولا يولون هذا الموضوع أي اهتمام    في الوقت الذي  تحتاج  فيه بلادنا إلى جميع مواردها  أكثر من أي وقت مضى.

ولعلّ الأدهى من ذلك أن البعض يعتبر الأمر " إنجازا للجمهورية  الجديدة " . ومن أجل هذا كتبنا هذا المقال عسى أن يعي بعض المسؤولين في هذه البلاد حقيقة الأوضاع والأمور وأن يبتعدوا عن كلام " التجميل " والمغالطة التي تضرّ ولا تنفع أحدا... وأن يسمعوا الكلام الذي يبكيهم قبل الكلام الذي يضحكهم مثلما نقول في الأمثال.

وليعلم الجميع ( وخاصة الذين لم يعلموا ) بأني واحد من مساندي مسار 25 جويلية  لكنّي لست مساندا أعمى ولا أسعى في حياتي  أبدا إلى تصوير الخطأ على أنه حقيقة والغلط على أنه بطولة وطنية . ومن هذا المنطلق فقط أردت أن ألفت الانتباه لعلّ ذلك يفيد بعض من يتّعظون .

جمال المالكي

التعليقات

علِّق