سهرة "ذكرى" على ركح المسرح الأثري بقرطاج
يوم 16 سبتمبر من السنة الجارية سيحتفي كل من يتذكرها بعيد ميلادها الخمسين... وفي 28 نوفمبر سيحيي أوفياؤها ذكرى وفاتها الثالثة عشرة... 13 سنة كاملة مرت على رحيلها ومازال صوتها يرن في الأرجاء... ومازالت "ذكرى محمد" تأكل الزمن بصوتها "الأوبيرالي" النادر وقوة إحساسها، وتمكنها من غناء أصعب المقامات، وتميزها في الآداء بجميع اللهجات
لم تنس الدورة الثانية والخمسون لمهرجان قرطاج الدولي "ذكرى محمد" في عيد ميلاد الخمسين، وقررت الاحتفاء به بعرض يحمل عنوان "ذكرى" من تدبير "عبد الرحمان العيادي" ومشاركة عدد من الأصوات المتميزة من تونس والوطن العربي التي تداولت على صعود ركح المسرح الأثري بقرطاج ليلة الثلاثاء 09 أوت الجاري لتغني شيئا قليلا من رصيد "ذكرى محمد" الذي لا يموت... بدا الجمهور كما الفنانين في منتهى التأثر... ثمة من لم يصمد فبكى، ولكن الليلة مرت جميلة بما يليق ب"ذكرى محمد"
انطلقت السهرة بمعزوفة بعنوان "قرطاج 52" أعدها "عبد الرحمان العيادي" خصيصا للحفل تحية منه لمهرجان قرطاج الدولي، ليعتلي بعد ذلك الفنان السوري "صهيب الحلبي" الركح منشدا أغنيتين للراحلة "ذكرى" الأولى "حياتي لتونس" كلمات حسونة قسومة تلحين عبد الرحمان العيادي والثانية "علمني الهوى" كلمات وليد رزيقة، ألحان صلاح الشرنوبي وبينهما أهدى "صهيب" قصيدة لتونس، ليهتز بعد ذلك المسرح الأثري بقرطاج على صوت تسجيل ل"ذكرى محمد" في مقطع "آ كابيلا" وهي تغني "إلى حضن أمي" التي أدتها في الحفل "أميمة طالب" دون أن تمنع نفسها من البكاء تأثرا بالأغنية وبذكرى التي كانت حاضرة بصورها مع أمها، والأغنية من كلمات حسونة قسومة تلحين عبد الرحمان العيادي، وغنت "أميمة" أيضا واحدة من أشهر أغاني "ذكرى" "الأسامي" كلمات وليد رزيقة تلحين صلاح الشرنوبي
أما "محرزية الطويل" فلم تفوت المناسبة الاستثنائية لتعطي أجمل ما عندها من إحساس وهي تفتتح أغنية "مش كل حب" بموال من أغنية أخرى"يا حبيبي فينك"
وقبل أن تواصل فرقة الوطن العربي بقيادة "عبد الرحمان العيادي" استقبال بقية الفنانين، صعد على الركح شقيق الراحلة "ذكرى محمد" محمد توفيق الدالي الذي شكر المهرجان وعبد الرحمان العيادي والجمهور الذي لم ينس "ذكرى" في عيد ميلادها الخمسين ليؤدي بدوره أغنية "إلى حضن أمي" مرفوقا بالعزف على العود، فكانت لحظات مؤثرة وصور "ذكرى" تملأ المكان على إيقاع صوت شقيقها
أطلت بعد ذلك "منيرة حمدي" التي قالت خلال الندوة الصحفية التي انتظمت أياما قبل العرض إنها مدينة لذكرى محمد وعبد الرحمان العيادي بعودتها من جديد للغناء بعد سنوات من الاحتجاب، وقد أدت في الحفل أغنية "ودعت روحي معاه" من كلمات "حسونة قسومة" وتلحين "عبد الرحمان العيادي" وقد ارتبكت "منيرة" واعتذرت من الجمهور لأنها لم تؤد الأغنية كما كانت تتمنى بسبب قوة اللحظة وصعوبتها، وغادرت الركح قبل أن تؤدي أغنية "مقادير" التي عادت لآدائها في النصف الأخير من السهرة
بين "عبد الرحمان العيادي" و"ذكرى محمد" قصة طويلة أنتجت ما يزيد عن 28 أغنية وكان طبيعيا أن تتطور العلاقة بينهما إلى ما أبعد من التعاون الفني فارتبطا بقصة حب انتهت في منتصف الطريق، ولكن ظلت تلك الأغاني في الذاكرة الموسيقية التونسية، تقاسمها معهما الشاعر "حسونة قسومة" الذي كتب مرثية في "ذكرى" بعد قتلها في 28 نوفمبر 2003، عرضت نسخة منها بخط يده، ولحنها "عبد الرحمان العيادي" ليؤديها ضيف شرف العرض الفنان المصري "محمد الحلو" الذي مازال محتفظا بصوته المتوهج وإحساسه العالي وهو يغني أيضا "يا تونس الخضراء" ويختتم وصلته بأشهر ما غنى من جينيريكات لمسلسل "ليالي الحلمية"
تواصلت السهرة مع كليب "الله غالب" الذي عرض على الشاشة الخلفية لركح المسرح الأثري بقرطاج مع كل من "نادية خالص"، "منيرة حمدي" التي كانت في إطلالتها الثانية أكثر تماسكا وإقناعا في آدائها لأغنية "مقادير"، و"غسان بن ابراهيم" الذي أدى أغنية "قالوا حبيبي مسافر" وآخر ما أنتجت قبل موتها "يوم ليك"، واستحضر الجمهور مع الفنانة "أسماء سليم" جزء من تجربة "ذكرى محمد" في ليبيا وهي محطة مهمة في مسيرتها لتختتم السهرة مع الفنان "سليم دمق" الذي كانت "ذكرى محمد" وحدها قادرة على إعادته للمسرح بعد سنوات من الغياب
ليلة الثلاثاء 09 أوت الجاري على ركح المسرح الأثري بقرطاج كانت استثنائية بكل المقاييس، استعاد فيها الجمهور صوتا متدفقا لا يتكرر جدير بالتكريم بعد رحيله لأنه أسعدنا كثيرا في حياته.
التعليقات
علِّق