رغم تصريحات الوزير ..." الزيت المُدعّم " مفقود .. فإلى أين نسير ؟

رغم تصريحات الوزير ..." الزيت المُدعّم " مفقود .. فإلى أين نسير ؟

 

بكل صراحة تعبنا من الحديث عن هذا الموضوع  الذي بات أطول من أطول المسلسلات المكسيكية أو التركية . ولعلّ الغريب في الأمر أن الدولة ( ممثلة من خلال مؤسساتها المعنية ) ليست هنا بل أكثر من ذلك يبدو أنها أو أن بعض الأطراف فيها تعمل على تعميق الأزمة خدمة لأطراف أخرى لا علاقة لها بالتونسيين " الزواولة " ولا همّ لها سوى الربح المالي حتى لو كان على حساب الشيطان .

الحكاية هي تواصل غياب الزيت النباتي المدعّم طيلة أشهر وخاصة عندما يتزامن ذلك مع حلول شهر رمضان الذي يكثر فيه استعمال هذا النوع من الزيوت عند الأغلبية الساحقة من الشعب التونسي في ظل عجز هذه الأغلبية عن اقتناء الزيوت الأخرى التي نجدها متوفّرة دائما وبأسعارها المعروفة التي لا يقدر عليها إلا بضعة أشخاص في هذه البلاد .

وبقطع النظر عن تزايد الطلب على هذا الزيت في هذه الفترة بالذات فإن أصل الداء ما زال قائما وقد يظلّ كذلك إلى وقت طويل. فقد طلع علينا وزير التجارة  قبل بضعة أيام من حلول رمضان مؤكّدا (  بكل ثقة في النفس ) أن  الدولة وفّرت الزيت المدعّم والسكّر وغيرهما من المواد الأساسية للمواطن البسيط وأنه لا داعي للقلق أو الخوف  من فقدان هذه المواد . وطبعا استعرض علينا تلك المحفوظات التي ألفناها وحفظناها عن ظهر قلب ومفادها أن الدولة ستقاوم الاحتكار و" تضرب بقوّة على أيادي المحتكرين " وأنها تسعى إلى دعم القدرة الشرائية للمواطن ... وغير ذلك من الكلام الذي لم يعد يصدّقه حتّى الرضيع الذي جاء للدنيا منذ ربع ساعة .

والحكاية مثلما نعرف تفاصيلها بكل دقّة تتلخّص في 3 نقاط أساسيّة وهي :

1 - عدم إيفاء الدولة بالتزاماتها في تزويد مصنّعي الزيت النباتي المدعّم بالمادة الأولية وهي التي تحتكر عملية التوريد من خلال الديوان الوطني للزيت . وبطبيعة الحال فإن عدم التوريد أو عدم الانتظام في التوريد يؤدّي إلى تقلّص الإنتاج في المصانع التونسية وعددها حوالي 43 مصنعا باتت كلّها تعيش في أوضاع صعبة لأنها غير قادرة على تلبية ما يحتاجه التونسيون في ظل النقص الفادح في التزويد . وعندما نقول إن الدولة لا تفي بالتزاماتها تجاه المصنّعين فليس من باب  " ظلم " الدولة أو الدفاع عن هؤلاء المصنّعين بل لأنها الحقيقة التي يحاول الكثير من المسؤولين طمسها  بشكل يرفع المسؤولية المباشرة للدولة في تفاقم هذه الأزمة عاما بعد عام .

2 - أكّد لنا المصنّعون في أكثر من مرّة أنهم ورغم عدم انتظام التزويد بالمواد الأولية قادرون على إنتاج كميات تحدّ من الأزمة وتكفي المواطنين الذين هم في حاجة فعليّة لهذا النوع من الزيت . لكن للأسف الشديد فإن الكميات المنتجة لا تذهب إلى المستحقّين بل تذهب إلى غيرهم  ( وهم معروفون ) أي إلى استعمالات غير التي جعلت لها أصلا . ومن هنا تأتي مسألة مسالك التوزيع التي يبدو أنها " استعصت " على الدولة والحال أن  علاجها سهل ولا يتطلّب الكثير من الفلسفة . أما أن تواصل الدولة العمل بطرق الرقابة التقليدية وبفريق رقابي لا يتجاوز 700 فرد على كامل تراب الجمهورية فهذا اسمه عبث ولا فائدة ترجى منه حتى بعد 100 عام .

3 - نأتي الآن إلى العنصر الأهمّ في " اللعبة " وهو عنصر يتفادى الكثيرون الحديث عنه لنسأل : من المستفيد من غياب الزيت المدعّم في السوق وتحديدا من تواصل غياب هذا النوع من الزيت المدعّم ؟. ودون لفّ أو دوران نقول إن منتجي الأنواع الأخرى من الزيوت هم المستفيدون وإن " حلمهم " أن يختفي هذا النوع من الزيت إلى الأبد . فعندما يختفي من البلاد سيجدون الأرضية الملائمة لفرض منتجاتهم على الجميع حتى لو  كان ذلك بمنطق " أشرب ولّا طيّر قرنك " . وهؤلاء طبعا لا يهمّهم أن يكون  سعر اللتر الواحد من زيوتهم 4 مرات سعر الزيت النباتي المدعّم . ومن جهة أخرى لن تجد مواطنا واحدا من " الزواولة " قادرا على شراء زيوتهم بأسعارهم التي لا يبعد بعضها كثيرا عن أسعار زيت الزيتون .

ودون لفّ أو دوران أيضا نتساءل : هل إن الدولة تعمل على التخلّص من الزيت المدعّم وبالتالي تتعمّد إطالة الأزمة بدعوى " مراجعة منظومة الدعم " التي سمعنا عنها الكثير؟.

أما الإجابة ( ودون لغة خشبية أيضا ) فهي أن الدولة على ما يبدو لا يقلقها قلق المواطن العادي في هذا السياق . وحتى إن لم تكن الدولة كلّها ( أي سياسة الدولة نقصد ) فإن البعض من مؤسساتها الفاعلة تعمل على إلغاء الزيت النباتي المدعّم نهائيا من البلاد ... وحسب بعض المصادر فإن نهاية العام الحالي قد تحمل لنا الخبر اليقين في هذا الشأن ... وهو خبر لن يكون سعيدا بالتأكيد لأغلب التونسيين .

ويبدو كذلك ( وبعيدا عن لغة الخشب ) أن بعض مؤسسات الدولة الفاعلة تعمل بتواطؤ مع تلك الأطراف التي تعمل على  فرض " زيوتها " على الشعب فرضا ... ولا يهمّها مثلما قلنا لا  " زوّالي " ولا " مركانتي " ... جيوبها وأرصدتها البنكية فقط هي المهمّة ... أما البقية فليذهبوا إلى الجحيم .

جمال المالكي

التعليقات

علِّق