ربوخ" و"اركز هيب هوب" في سهرة فنية تجمع بين التراث والتجديد

معطيات بسيطة قد لا تعني لك شيئا أيها القارئ لكنها تعني الكثير لمجموعة حاتم اللجمي، معطيات تمثّل منعرجا في مسيرة فنية انطلقت بتجربة بحثية وتطورت على مراحل وعلى امتداد سنوات لتستقر على ركح قرطاج العريق عرضا متكاملا اجتمعت فيه عناصر الإبهار الفني والبصري أمام جمهور غصّت به المدارج والمقاعد الأماميّة لأن "الربوخ" كلمة عامية صرفة تحيل على الاحتفال والفرح و"التخميرة" التونسية.

بفرقة تجاوزت الثلاثين عنصرا بين مغنين وعازفين وكورال انطلق العرض الذي أعلن عنه الفنان جمال المداني بأسلوب مسرحي طريف... "الربوخ" وهو فن "المزود" القائم على تلك الآلة النفخية المهيمنة على باقي الآلات، لا تقتصر مدونّته على أغاني الحب والغربة والصحبة والهجر وإنما له جانب صوفي هام يسمى "النوب" (جمع نوبة) وفيها بحث اللجمي ومنها نهل لتأثيث عرض قرطاج الذي لا يشبه سائر العروض ويتطلّب استعدادا خاصّا يليق بمكانته وعراقته.

جمع عرض "الربوخ" أجمل الأصوات الرجالية منها عطيل معاوي وهشام بن عمر وأمير بوزعيبة ومحمود الحبيب وحسان الكافي ونبيل الورغي غنّت "انزاد النبي" و"المنوبية" و"سيدي علي بن سالم" و"حطاب" و"سيدي عبد القادر" و"سيدي منصور" و"وافية الخصلات" و"يا شرعي لاشي" و"فارس اللازمية" و"سيدي علي عزوز" و"رايس الأبحار" والتي توزعت على جملة من الطبوع التونسية فاستمتع الجمهور بالمربع والعروبي والفزاني والغيطة علاوة على مجموعة من الاستخبارات على آلتي المزود والكمنجة... طقس تونسي خالص ومتفرّد تماهى معه الحضور بالرقص والزغاريد على امتداد ساعة وربع ومما زاد من جمالية هذا العرض اللباس الموحّد لكامل عناصر الفرقة (الدنقري والزنار) والتقسيم المدروس لمساحة الركح علاوة على وجود الممثل القدير جمال مداني في صلب العرض ليكون حلقة وصل بين فقراته... "الربوخ" عرض متكامل فنيّا وتقنيا لن ينساه الجمهور ولا كلّ عناصر مجموعة حاتم اللجمي.

"الدبو" يرسم لوحة متعددة الألوان

الجزء الثاني من سهرة السبت 12 أوت قدمته مجموعة رسمت خطواتها الأولى بالدراسة والبحث ومراكمة أنماط موسيقية مختلفة قبل أن تختار أسلوبها وبصمتها، مجموعة تجمع الكثير من المتناقضات فهي منفصلة ومتصلة لكل منهم أسلوبه الخاص ومنطوقه الذي يشبهه ويعبر عنه لكنهم اجتمعوا في "الدبو" عندما اهتدوا إلى مشروع أو بالأحرى أسلوب حياة يتلخّص في "الهيب هوب" تلك الثقافة القائمة في مفهومها على فكرة العيش ضمن المجموعة رغم الاختلاف، وتمكنوا من جعل الاختلاف ميزة وعلامة فارقة حيث حافظ كل فنان (رابور) على نمطه الخاص وعمل على توليفه مع المجموعة، لذلك كان ركح قرطاج في الجزء الثاني من سهرة السبت أشبه بلوحة فسيفساء متعددة الألوان والأشكال محاطة بإطار يجمعها ليكون التنوع في الوحدة والوحدة في التنوع، "فايبا" قيس كيكلي و"ماسي" مهدي شمام و"تيقا" أنيس محواشي و"دالي" محمد علي شبيل ومجموعة موسيقية جمعت بين ألة المزود والكلافيي وألات إيقاعية لتخوض مغامرة الجمع بين فن المزود والهيب هوب لكسر كل القواعد الموسيقية المتعارف عليها وخلق نمط جديد لا يشبه سوى "الدبو" المكان الذي يمكن أن تلتقي فيه الأضداد وتجتمع... 

لون موسيقي جديد راهنت مجموعة "الدبو" على تقديمه كمشروع فني لجمهور مهرجان قرطاج الشبابي الذي استقبله بحفاوة وتفاعل كبيرين فهذا المزيج يشبهه أو هو مرآته التي يرى من خلالها التمرّد على السائد الذي يرفضه، وعلى هذا الأساس ليس غريبا أن نجد ضمن برنامج العرض أغنية تحمل عنوان "عكس الناس" والتي يمكن أن تلخّص هذا المشروع ليكون عنوانه الكبير.

قبل يوم من العرض تحدث كيكلي مؤسس "الدبو" عن مفاجأة أعدّها لجمهور قرطاج ورفض الإفصاح عنها لكننا نعتقد أنه كان يعني الفنانة الشابة صاحبة الصوت الشجي نجاة أونيس التي قدّمت أغنية "يعجبكشي" صحبة "ماسي" مهدي شمام... لوحات كوريغرفية لراقصين شبان وأغان فردية وثنائية وأخرى ثلاثية منها "تروشيكة" و"حويتة" و"نفس" و"لعريبة" هذه الأغنية التي أفاد مؤسس الدبو أنها كانت سببا في تكوين المجموعة، "لعريبة" التي بمجرّد أن سمع الجمهور مطلعها ـ عزفا ـ هبّ واقفا ليرددها بحماس كبير، ولأن الشعور بذبذبات الجمهور يحمّس الفنان فقد شهد العرض نسقا تصاعديا على امتداد ساعة ونصف من الزمن، كتبت خلالها المجموعة سطرا جديدا في مسيرتها الفنية.  

التعليقات

علِّق