راشد الغنوشي والصراع الاخير

راشد الغنوشي والصراع الاخير

بقلم نوفل بن عيسى

رئيس حركة الاتجاه الاسلامي التونسي من 1984 الى 1987 ثم حركة النهضة منذ 1991، يعتبر الشيخ راشد الغنوشي من أصحاب الأرقام القياسية في رئاسة حزب سياسي في العالم وقد صار بعد الثورة المجيدة من أكبر قادة البلاد سنا فهو من جيل عارض بورقيبة وتحدى بن على وتصارع مع موسي وقد ناضل وسجن ونفي ورجع الى البلاد حاكما وقائدا توفق بدهائه السياسي في التمركز في الحكم بشرعية حزبه الانتخابية الى أن صار رئيسا لمجلس نواب الشعب ولكن....

في حين كان يصارع الغنوشي منافسيه ومعارضيه واعدائه في حلبة قبة البرلمان أعلن رئيس الجمهورية عن تجميد أعمال مجلس نواب الشعب ووضع كل السلط تحت مسؤوليته. وعندها ارتفعت اصوات المعارضين لرئيس حركة النهضة في عقر حزبه وهو ما جعل الأمر يستفحل الى درجة اعلان التمرد على طريقة تسيير الأستاذ المرشد لحزبه وعلى قراراته وهيمنته على حركة صار يتحكم فيها وكانها ملك يمينه وقد بدأ هذا الشرخ يظهر للعيان منذ آخر انتخابات رئاسية وتشريعية وبدأت الاستقالات والانتقادات تطفو على السطح ولم يبق مجال للتكتم عنها.

والتصدع الذي خلخل كيان التيار الاسلامي في تونس بدأ عند الاعلان عن تحالف الشيخين(2014)، شيخ الحركة والباجي شيخ أعداء الثورة خاصة ان هذا التحالف أدى بالبلاد إلى الإفلاس والااستقرار السياسي وبالنهضة إلى فوز بطعم الهزيمة في آخر انتخابات تشريعية (2019) وهي نتيجة سياسة التوافقات التي اعتمدها الغنوشي كنهج تشاركي في الحكم بدعوى الحفاظ على استقرار البلاد وانجاح الانتقال الديمقراطي ولكن الحافز الحقيقي يتمثل في رغبته الجلية في الحفاظ على موطأ قدم في السلطة وموضع مهما افضت اليه نتائج الانتخابات حتى وان اقتضى الأمر التحالف مع حزب الشيطان وزعيمه.

وبعد آخر انتخابات تشريعية ورئاسية وفي حين كان على راشد الغنوشي الاعتراف بالفشل والانصراف الى تنظيم مؤتمر حزبه والتحضير الى الاستقالة من العمل السياسي بشرف واصل في ذات النهج وتحالف مع القروى وحزبه قلب تونس متحديا بذلك المشككين في شعبيته وشرعيته وفاز برئاسة مجلس نواب الشعب ولكن تبين ان هذا الفوز هو "الفوز الزائد" ليس إلا اذ "اذا زاد الشيء عن حده انقلب الى ضده"  وهكذا فوت عن نفسه وقت الرحيل !

وذات 25 جويلية 2021 وقعت النكسة ووجد نفسه يساند في غريمه قيس سعيد مساندة المضطر ويعتذر للشعب اعتذار المهزوم بعدما فاته ركب الرحيل كما فات بورقيبة من قبله وبن علي ومثله لم يدرك حمة الهمامي ولا نجيب الشابي اهمية استيعاب الدرس والاتعاظ بأخطاء غيرهم.

والشيخ راشد الغنوشي لم يخطئ في موعد الرحيل فحسب ولكنه لم يعتبر كذلك من تبعات تمكين الأقارب وافراد العائلة من المناصب والسلطات وليس بالعهد من قدم اذ انه لم يتعظ من بورقيبة وعشيرته وابنة اخته سعيدة وبن علي واصهاره والباجي وحافظه وعن هذا لامه حتى اقرب الناس له قبل ان ينشقوا عنه وحتى ينقلبوا.

والان وقد صار يصارع المنافسين والمعارضين من خارج حزبه ومن داخله فعليه أن يتحلى بالحكمة ويرجح مصلحة الوطن وحركته ويصغى الى نداء الواجب ويستخلص العبرة مما صرح به عماد الحمامي -أحد اعضاده الميامين- عوض "تجميده" والتنفيذ فيه حكم المرتد ليكون عبرة لكل من تخول له نفسه نقد  رئيس الحركة أو انتقاده.
وفي أول رد له على قرار التجميد، قال الحمامي : "أنا نقدت حركة النهضة ورئيسها ، الكلام إلي قلتو نقول فيه عندي أكثر من عام ، راشد الغنوشي هو المسؤول رقم واحد، مسؤول عن تدهور الأوضاع ." وأضاف : "الغنوشي يستهدف الكفاءات وضدها ." ورغم أن الغنوشي يعتبر أن هذا الكلام زاد عن حده ويتطلب التأديب فإن شريحة كبيرة من جمهوره الناخبين ومن المتتبعين من خارج الحركة ومن داخلها وحتى من بطانة الشيخ المرشد الأمير يشاطرون رأي الوزير عماد الحمامي.

والان، بقي على راشد الغنوشي أن يقنع بأن الحل في رحيله وانسحابه وفي بعض الرحيل راحة رغم أن هذا الحل عسير عليه وهو الذي امضى ما يناهز نصف عمره في النضال وقد كلفه ذلك الكثير ولكن عليه الان ان يصارع نفسه الامارة بالتمسك بمكانته داخل الحركة وفي دواليب السلطة إذ بدأت أوراق الخريف تتساقط وحلت لحظة الصراع الأخير.

 

التعليقات

علِّق