حمام الأنف : عندما تعجز السلط عن تطبيق القانون تصبح الحياة أتعس من الجحيم

نعرف جميعا أن مدينة حمام الأنف كانت مضرب أمثال في الهدوء وجمال شاطئها لكن مع مرور الوقت تغيّر كل شيء من النقيض إلى النقيض . ولئن تعوّد السكان وخاصة أجوار الكرنيش منذ زمان على التلوّث البيئي بمختلف أنواعه وعلى مختلف أنواع الروائح الكريهة المنبعثة من البرّ والبحر فقد أجبروا بعد الثورة خاصة على "التعايش الإجباري" مع وضع جديد يتميّز بالتلوّث السمعي الذي جعل حياتهم أتعس ألف مرة من الجحيم .
وفي هذا الإطار لنا أن نقول ونؤكّد أن الكثير من المحلات الموجودة على البحر و" البرارك " المنتصبة على الرمال على غرار تلك التي توجد قرب نهج تونس أو فضاء " القط الأسود " أو فضاء " عروس البحر " وغيرها أصبحت مختصّة في بث الصخب حتى مطلع الفجر من خلال الموسيقى والأغاني الصاخبة عبر مكبّرات صوت توقظ الموتى في قبورهم . وفي شهر رمضان زاد الطين بلّة من خلال كراء عربات تجرّها الخيول لكنها " عصرية جدا " باعتبار أنها مجهّزة بآلات تسجيل تصمّ الآذان في أي وقت من الليل أو النهار. وبالرغم من أن كافة القوانين التي لها صلة لا تسمح بإحداث الصخب بكل أنواعه وأن الحفلات العائلية مثلا تخضع إلى ضوابط ولا يمكن أن تتواصل في الأيام العادية إلى ما بعد منتصف الليل ما عدا ليلة الأحد فإن ما يحدث يوميّا وعلى مدار الساعة لا يطاق ولا يحتمل ولو عاد " أيوب " إلى هذه الدنيا وطلبنا منه أن يصبر ويحتمل فإنه لن يقدر على ذلك وسوف يهجر حمام الأنف نهائيا وإلى يوم يبعثون . وفي ظل هذه الأجواء الصاخبة التي لم تعد تراعي أبسط قواعد الإحترام أو حق المواطن في أخذ نصيب من الراحة في النهار كما في الليل أصبحت الأجواء داخل العائلات أيضا متوترة باعتبار أن أفراد العائلة الواحدة لا يكاد يسمع أحدهم الآخر عند التخاطب إلا باستعمال الضجيج والصياح . وهذا الوضع أجبر الكثير من السكان على الهجرة إلى حيث يوجد أقارب لهم خارج مدينة الضجيج الأبدي والصخب الدائم .
ولعلّ ما يزيد هموم السكان أن كافة السلط التي أحيطت علما بما يحدث ألف مرة ومرة زائدة ( المعتمد الذي يرأس أيضا النيابة الخصوصية والكاتب العام للبلدية والشرطة البلدية والوالي ...) بدت عاجزة عن فعل أي شيء لردع هؤلاء المخالفين المستهترين بكافة الضوابط والقوانين . ففي أقصى الحالات كانت السلط ومنها البلدية تتدخل لتهدأ الأمور ليلة أو نصف ليلة ثم تعود أتعس من ذي قبل .
وفي انتظار ما سيحدث يجب أن يعلم الجميع أن بعض السكان بصدد الإعداد لمقاضاة البلدية باعتبار أنها المسؤول الأول عن راحتهم بالرغم من أنهم يدركون أنه لا حول لها ولا قوة باعتبار حالة الفوضى العارمة في البلاد . أما أهمّ ما يجب أن تعرفه السلط المختلفة فهو أن الأمور قد تتطوّر إلى ما هو أسوأ باعتبار أن الكثير من السكان وتحت وطأة الغضب كادوا يطبّقون " قوانينهم الخاصة " من خلال طرد أصحاب المحلات والفضاءات المثيرة للإزعاج . وقد كادت تحصل كوارث بينهم وبين هؤلاء الدخلاء على حمام الأنف لولا تدخّل بعض العقلاء . ولا نعتقد أنه يجب أن ننتظر حصول الكارثة كي تتدخّل السلط التي لو أرادت لقضت على الظاهرة في ساعتين لا غير.
جمال المالكي
التعليقات
علِّق