حكاية مواطن عقّدته بطاقة التعريف ... فقرّر أن ينتقم منها انتقاما

حكاية مواطن عقّدته  بطاقة التعريف ... فقرّر أن ينتقم منها انتقاما

الحصري - مجتمع

حدّثني صديق من أهل  الصدق والثقة قال : " لا أعتقد أنه يوجد في هذا العالم من هو  " أبخل " منّي في ما يخص الوثائق الرسمية ... ( وأبخل هنا بمعناها  العامّي عندنا وليس بمعناها  اللغوي ) . وعلى سبيل المثال عندي حكاية طويلة مع بطاقة التعريف سأحاول تلخيصها قدر الإمكان . ففي ثمانينات القرن الماضي ذهبت للسباحة بضاحية الزهراء فلم أنتبه إلى أنها كانت في جيبي ... ولم أتفطّن إلى أني تركتها للأسماك في البحر إلا عندما عدت إلى المنزل . وبعد حوالي 4 سنوات جاءتني إلى مقر عملي سيارة شرطة على متنها أعوان أعرفهم فقال لي أحدهم : بالله تعمل علينا مزيّة  تمشي معانا نعملولك بطاقة تعريف  ونرجّعوك ...؟؟؟. وذهبت معهم طبعا وما هي إلا ساعة حتى كانت بطاقة تعريف جديدة في جيبي ... وذهب زمان وجاء زمان وغيّرت مهنتي وأصبحت عندي بطاقة مهنية  كان الكثير ينظر إليها باحترام حتى أكثر من بطاقة التعريف  ( وحتى لا يذهب الظن بكم بعيدا لست من سلك الأمن ) ... وفي سنة 1995 ضاعت بطاقة التعريف مرة أخرى ... وهل تصدّقون أني  بقيت حوالي 12  سنة كاملة دون بطاقة تعريف ؟.  صدّقوا إذن لأن هذا ما حصل ... ولم أخجل من نفسي إلا  سنة 2007 عندما  قررت تجديدها لأنني  ببساطة  "  وحلت "  أمام أمر معيّن لا ينفع فيه لا بطاقة مهنية ولا هم يحزنون . وتشاء الصدف ألا تعمّر هذه البطاقة أكثر من 3 سنوات وبضعة أشهر حيث ضاعت مرّة أخرى في أحد جبال ولاية جندوبة  وتحديدا في مكان لا يوجد فيه غير  " الحلّوف " ... 
وإلى حد اليوم ما زالت ضائعة ... ويوم أمس جمعت شجاعتي  ونزعت  رداء  " البخل " وقررت أن أستخرج بطاقة جديدة لكن كدت  أصاب باليأس منها إلى الأبد . قبل كل شيء ذهبت إلى القباضة ودفعت 25 دينارا  مجعولة للضرب على أيدي العابثين مثلي حتى يحافظوا على بطاقاتهم من الضياع أو الإتلاف . بعد ذلك توجهت إلى البلدية لاستخراج مضمون ولادة ... فظللت أمام  الشباك حوالي نصف ساعة . في مرة أولى لأن المرأة التي تقوم باستخراج المضامين طالبتني ببطاقة التعريف حتى يتسنى لي استخراج مضمون ... ورغم أني عرضت عليها نسخة من البطاقة الضائعة ووصل القباضة الذي ينص بوضوح على أن المبلغ الذي دفعته هو مقابل إعادة استخراج البطاقة الضائعة فإنها لم تقتنع إلا بسيدي زكري ... وفي مرحلة ثانية  رفضت البيابات التي استعملتها الموظفة من خلال نسخة بطاقة التعريف أن تعطي نتيجة إلا بعد حوالي ربع ساعة ...
حملت صيدي ( المضمون وما أدراك ما المضمون ) وهرولت إلى مركز الأمن الذي استخرجت منه بطاقة سنة 2007 . تأمل العون مليّا في الوثائق ثم قال : هناك مشكلة ... فشهادة العمل هذه يجب حسب القانون أن يكون الإمضاء الذي عليها معرّفا لدى البلدية بما أن المؤسسة المشغّلة تنتمي إلى القطاع الخاص ...  واهتدى أحد زملائه إلى أمر ما فقال : عندك بطاقة مهنية جديدة ؟ قلت : بلى قال : صوّرها وعد إلى البلدية ليضعوا عليها عبارة مطابقة للأصل ... فهي تعوّض شهادة العمل في مثل هذه الحالة ... ذهبت على الفور ... وبعد حوالي 45 دقيقة عدت بالمطلوب ... وعندما شرع العون في تسجيل الوثائق اكتشف أنني لا أتبع إداريا مركز الأمن ذاك ... وهو ذات المركز الذي استخرجت منه بطاقتي سنة 2007 ...؟
توجهت بعد ذلك إلى  المركز الجديد  الذي يبعد عن الاول بضعة كيلومترات وكنت فرحا بأن أوراقي كاملة وأموري واضحة ... لكن بعد حوالي دقيقتين فقط اكتشفت مرة أخرى أن هناك  " عتبة " في مكان ما .. فالصور التي حملتها لا تصلح لاستخراج بطاقة التعريف  لأسباب فنّية معقولة ... ولم يكن أمامي إذن سوى الإستغفار  والعودة متى استخرجت صورا جديدة .
من تلك الضاحية البعيدة ذهبت إلى العاصمة ... مباشرة إلى محل تصوير تابع لأحد أصدقائي ... ربما كنت طامعا في  "  تصاور بوبلاش "  لكن لأني أعرف أنه صنائعي من الرعيل الأول ... ويا لخيبة المسعى . فقد أعلمني صاحبي بأنه  اعتزل التصوير منذ بضعة أشهر ...؟؟؟
ودلّني صاحبي على صاحبه وهو مصوّر مشهور ومحترف بحيث عندما ذهبت إليه سألني قبل كل شيء إن كانت الصور لبطاقة التعريف أم لجواز السفر أم لماذا .... وبعد حوالي 5 دقائق كانت الصور المطلوبة في جيبي وطبعا فقد أبديت فيها بعض الملاحظات والطلبات قبل تنفيذها ... وبمحض الصدفة التقيت صديقا وهو يعمل بالمركز الذي استخرجت منه بطاقة 2007 فعرضت عليه الصور فقال إن ذلك هو المطلوب . وعلى الساعة  السابعة و45 دقيقة من صباح اليوم كنت أمام المركز فعلمت أن العمل يبدأ على التاسعة صباحا فانتظرت في مقهى قريب . وعند
ما دخلت المركز ولم أجد به خلقا كثيرا استبشرت . لكن سرعان ما أصابني الإحباط من جديد . فعندما تناولت الموظفة صوري الجديدة  نظرت إليّ باستغراب وقالت  : " على الأقل التصاور متاع البارح  أهون من هاذم .." . ونظرت فإذا وجهي في الصور الجديدة أحمر كالديك الرومي وإذا ورائي خلفية زرقاء كانت بالأمس بيضاء وأبصم بالعشرة على أنها كانت بيضاء ... لقد اقتنعت بأن  " الناس لخرى " دخلوا جيبي البارحة فسحروا صوري ... وكان  ما كان ...
ومن حيني عدت إلى المصوّر فاستخرج لي صورا أخرى وضعتها في جيبي في انتظار أن أحملها غدا أو يوم الإثنين إلى حيث يجب أن تحمل ... لكن في الأثناء أزورها وأتفقدها كل ساعة للإطمئنان عليها من جهة ... وحتى لا أفاجأ في مركز الشرطة بأن وجهي صار أخضر هذه المرة .
هذه حكايتي مع بطاقة التعريف التي قررت أن لا أرمي المنديل بسببها . ولتعلموا جميعا أنني لا ألوم جماعة الشرطة في أي شيء . بل  بالعكس  ألوم نفسي على جهلي  ببعض الإجراءات وأشكرهم على القيام بعملهم في إطار القانون .
جمال المالكي

التعليقات

علِّق