حفلات زفاف بحضور 30 شخصا: مقترحات فلكلورية لأزمة حقيقية ؟

حفلات زفاف بحضور 30 شخصا: مقترحات فلكلورية لأزمة حقيقية  ؟


تركت التصريحات التي كانت أطلقتها المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة الدكتورة نصاف بن علية حول ضوابط إقامة أفراح الزواج بحضور 30 شخصا تعليقات شتى تراوحت بين متقبل وساخر من الأمر حتى إن المسألة تحولت إلى موضوع تندر واستهزاء على مواقع التواصل الاجتماعي ومباشرة بين المواطنين.
حفلات الزفاف تقليد تونسي قديم قدم التاريخ في بلادنا ومختلف من شخص إلى شخص ومن عائلة إلى عائلة ومن جهة إلى جهة ومن ديانة إلى ديانة ومن ريف إلى ريف ومن مدينة إلى مدينة. وهوحراك مجتمعي ثقافي له تمظهرات عدة وله مواسم وأعياد والحضور من عدمه في هذه المناسبات شديد الاختلاف وشديد التنوع حتى أصبحت له اليوم مواسم وأعياد و أصبح قطاعا اقتصاديا برمته يشتغل فيه مئات بل آلاف الأشخاص من مختلف المشارب والمصالح . وبالنظر لأهميته في حياتنا على اختلافنا كان من باب أولى التريث في إطلاق تصريحات غير محسوبة في شأن طريقة استئناف نشاطه خاصة أنه ربما يتجاوز أي قطاع اقتصادي أو ثقافي آخر من حيث اتصاله بكافة فئات المجتمع... فالقول بوجوبية حضور ما لا يزيد عن 30 شخصا  في حفل زفاف فيه الكثير من الاعتباطية وعدم الفهم لهذا الحراك المجتمعي والثقافي الذي تنخرط فيه العائلة والفرد على حد السواء. فإن كان الظرف الصحي الذي مرت به بلادنا مع سائر بلدان العالم موجب للحيطة والحذر وأصبح التباعد الاجتماعي هاجسه الرئيسي في ما يتعلق بعودته للنشاط فذلك لا يعني أن نخلق نمطا معينا  نفرضه على المواطنين رغم خطورة المحاذير... وبعيدا عن المسائل الثقافية والتقاليد العائلية تشكل الأعراس عرفا اقتصاديا هاما  يستقطب مالا مدرارا ويشغل أفرادا وجماعات من أصحاب قاعات الأفراح إلى صانعي الحلويات والمشروبات إلى فرق إحياء الحفلات إلى مسديي  الخدمات والأعراس بصفتها تلك أكبر من أي مهرجان مهيكل مهما علا شأنه . وعليه فإنه من الحكمة النظر له في مفهومه هذا والتوجه نحو اتخاذ قرارات عقلانية تأخذ بعين الاعتبار أن أي إغلاق أو تضييق سينجر عنه رفض اجتماعي وضرر اقتصادي غير قابل للتحمل . فما الفرق بين قاعة أفراح ونزل أو مطعم التي هي بدورها تكون أحيانا مسارح لهذه التظاهرات الاجتماعية ؟.  فكما سمحت الدولة للنزل والمطاعم بإعادة الانطلاق وفق محاذير صحية محددة لمسألة التباعد الاجتماعي كان بإمكانها سحب هذه الإجراءات على قطاع الأعراس وبالتالي قاعات الأفراح العامة والخاصة – دور ثقافة وشباب وقاعات أفراح ومطاعم ونزل ومقاه  وغيرها- وكل هذه الفضاءات مختلفة باختلاف هيكلتها تختلف طاقة استيعابها وقابليتها لتكريس مقتضيات التباعد الاجتماعي كل حسب خصائصه . وبالتالي بإمكان بعض الأعراس أن تستقطب العشرات أو المئات أو الآلاف كل حسب طاقة الاستيعاب والقدرة على احترام مقتضيات كراس الشروط المفروض وضعه بالتنسيق مع الهياكل المهنية للفضاءات المرخص لها لاحتضان هذه الأفراح . ولا طائل ولا جدوى من إطلاق تصريحات من قبيل 30 شخصا أو 100 شخص  أو حتى مليون شخص . فالعدد ليس  مهما بقدر أهمية احترام مقتضيات التباعد الاجتماعي الوقائي الذي سنتعايش معه لأشهر أو ربما لسنوات أو عقود وفق تطور الوضع الوبائي ونجاعة ما قد يقع الإفراج عنه من أدوية وتلاقيح كفيلة بالتوقي من هذه الجائحة التي وإن أتت على الكثير من أعمالنا وعاداتنا فإنه ليس من المعقول أن تنهي تمظهرات حياتنا وموروثنا الثقافي... أو توقف حياتنا. وكراس الشروط المفروض وضعه على وجه السرعة لهذه الفضاءات هو وحده الكفيل بأن يأتي بحلول ناجعة وسريعة ليس لأصحاب الفضاءات وإنما لقطاعات أخرى مرتبطة بهذا القطاع شأنها شأن القطاعات المرتبطة بالسياحة وبالمطاعم والمقاهي وغيرها. فهل تكون تصريحات المسؤولين بتحديد عدد الحاضرين في حفلات الزفاف من قبيل التصريحات غير المدروسة أم مجرد مزحة لا تعدو أن تكون صلاحياتها الظرف الذي أطلقت فيه... ؟.
ناجح بن عافية

 

التعليقات

علِّق