حتى يكون الشعب على بينة : ماذا حدث بالضبط في كواليس قرطاج قبل الإعلان عن استقالة الفخفاخ؟
بقلم : نصر الدين السويلمي
دعونا ننطلق من فعاليّات مجلس شورى حركة النّهضة الذي انعقد الأحد 12 جويلية 2020، لكن قبل ذلك لا بأس من التذكير أنّ رئيس البرلمان وزعيم الحزب الأول في البلاد التقى رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد، وتحدّث إليه عن صعوبة الوضع والتداعيات السلبيّة التي ستخلّفها شبهة تضارب المصالح، واقترح الغنّوشي على سعيّد إقالة الفخفاخ ومن ثمّ لا حاجة لعقد جلسة خاصة بسحب الثقة، ما يعني أنّ الأمر سيعود إلى رئيس الجمهوريّة والكتل الكبرى للتشاور حول رئيس حكومة جديد، الفكرة التي استحسنها سعيّد وانتهى عليها اللقاء.
هنا لا بدّ من فتح قوس للتبسيط، دأبت رئاسة الجمهوريّة على نشر كلّ نشاطات الرئيس بما فيها اللقاءات الروتينيّة وبعض النشاطات الفرعيّة، لكنّها لم تنشر ولو خبرا مقتضبا على لقاء الغنّوشي سعيّد الذي سبق شورى المنعرج، ثمّ إنّه لو صحّت الأخبار التي تحدّثت عن رفض تام للرئيس واعتراضه على مقترح الغنّوشي، كيف إذا يخرج مجلس شورى النّهضة يوم الأحد 12 جويلية أيّ مباشرة بعد لقاء الغنّوشي سعيّد ويعلن عن تكليف الغنّوشي بالانطلاق في المشاورات مع رئيس الجمهوريّة "للاتفاق على مشهد حكومي بديل" تلك مؤشّرات واضحة تؤكّد الاتفاق بين الرجلين ولا يمكن تفنيدها، خاصّة بحجج واهية من قبيل أنّ رئيس الحزب الأول في البلاد التبس عليه الأمر!!!!!
إذا ومباشرة بعد قرار الشورى وصبيحة اليوم الموالي وقبل أن يعقد الهاروني مؤتمره الصحفي لشرح مخرجات شورى 41، اجتمع قيس سعيّد بالفخفاخ والطبوبي وأعلن إنكاره لأيّ اتفاق وقال أنّه لن يحاور حول تشكيل حكومة وقام بكلّ ذاك السرد المعلوم المتشنّج الذي لا يرتقي إلى خطاب رئيس جمهوريّة.
ثمّ وفي المساء أعلن الفخفاخ عن نيته إجراء تعديل وزاري في الأيام المقبلة، وذلك ردّا على قرار شورى النّهضة واتضح من خلال تصريحات صدرت عن حزامه المقرّب أنّه سيستبدل وزراء النّهضة عقابا لقرار حركتهم، أيّ إقصاء الحركة من السلطة بشكل كلّي.
يوم 14 جويلية 2020 عاد الشورى للاجتماع ليعلن بعد مداولات متجانسة متقاربة، أنّه قرّر المضي في سحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ لتدخل تونس في واحدة من أطول ليالي الوساطات والتدخّلات والضغوطات.
الأربعاء 15 جويلية، رئيس البرلمان وزعيم الحزب الأول في البلاد يتلقى دعوة مستعجلة من رئاسة الجمهوريّة، "الرئيس يرغب في الالتقاء بك"، استجاب الغنّوشي للدعوة، وحال وصوله إلى قصر قرطاج وجد الأمين العام لاتحاد الشغل عبد الكريم الطبوبي في قاعة الانتظار، تلك حركة غير أخلاقيّة لم تتضمّنها الدعوة، إذ جاءت الدعوة بأنّ الرئيس يرغب في لقائك وليس لقائكم مع فلان وفلان.. ترقّب الغنّوشي ساعة كاملة في قاعة الانتظار، حاول خلالها الطبوبي إقناعه بالعدول عن فكرة الإقالة وترقّب لجنة التحقيق.. عندها اتضح أنّ الطبوبي كُلّف بمهمّة إقناع الغنّوشي ووفّر له قيس سعيّد ساعة من الزمن لفعل ذلك، بعدها دخل الثاني ليتفاجأ الغنّوشي بوجود إلياس الفخفاخ مع الرئيس!!! إذا هي مسرحيّة سمجة إلى جانب عمليّة استهتار واستهانة برئيس المجلس التشريعي!
انطلق الحوار، وألحّ قيس سعيّد بمعاضدة الطبوبي على ثني الغنّوشي عن مسألة سحب الثقة، محاولات مكثّفة استقبلها الغنّوشي ببرود وتفاعل معها دون الاستجابة إليها، في الأثناء أكّد الفخفاخ أنّه على استعداد لتوسعة الحكومة وإدخال قلب تونس وتسوية الأمور العالقة، أجابه الغنّوشي بما يفيد أنّ الوقت قد فات وأنّه سعى في ذلك طويلا لكنّه جوبه بالرفض. خلال الحوار تلقى قيس سعيّد ورقة من المسؤولة الإعلاميّة، قرأها.. ثمّ غادر لبعض الوقت "يبدو أنّها تتضمّن لائحة سحب الثقة وإشعاره بأنّها تجاوزت النصاب" عاد قيس سعيّد ليوقف النقاش ويقول بأنّ الفخفاخ قدم استقالته سابقا وأنّه قبلها!!!! ارتسمت على وجه الفخفاخ الدهشة! فالرجل جاء ليشفع له قيس سعيّد بمساندة من الطبوبي، لكن انقلب الأمر وأصبح قيس هو من يعزله باستقالة لا وجود لها إلّا في تكتيكات الرئيس وحاشيته.
بعدها غادر الفخفاخ تحت وقع الصدمة، كما غادر الطبوبي واستمر الحوار بين سعيّد والغنّوشي، اتفق الثنائي على علوية الدستور وعلى الشراكة وعلى احترام المؤسّسات والسعي إلى تكاملها.. كان ذلك أخطر لقاء، نتمنّى أن يحفظ الله تونس من تداعياته، فقد تعمّد خلاله قيس سعيّد مخادعة الجميع وجهّز مع فريقه فرية الاستقالة الوهميّة، لقد أصبحنا أمام حالة تحايل واضحة لا لبس فيها.
في مساء 15 جولية 2020 أعلن الفخفاخ عن إقالة كلّ وزراء النّهضة، بادرة اعتبرها حتى المقرّبون منه بمثابة الردّ الصبياني الارتجالي الذي يستعمل مؤسّسات الدولة لتصفية حسابات ضيقة، تلك حركة فخفاخيّة غارقة في العبث لا تؤكّد صواب الإقالة فقط وإنّما تؤكّد أنّها إقالة تأخّرت كثيرا، أكثر من اللازم.
نصرالدّين السويلمي
التعليقات
علِّق