ثقافة لن ترى النور وان كنا المدينة الفاضلة

ثقافة لن ترى النور وان كنا المدينة الفاضلة

بقلم نوفل بن عيسى

"الثقافة عماد الأمن القومي" حسب قيس سعيد و"نعول على الثقافة لمقاومة الارهاب" حسب ما صرح به مهدي جمعة حين كان رئيسا للحكومة و"يجب وضع الثقافة في قلب المشروع" حسب د. لطفي المرايحي. هذا مآل الثقافة في الخطاب السياسي ولكن مآل المثقف الحقيقي في تونس التهميش وكذلك المبدع الصادق المحترم اذ ان كلاهما يعمل بقوله تعالى "ولسوف يعطيك ربك فترضى" وحسبنا الله ونعم الوكيل!
إن تصريح رئيس الحكومة المذكور يدل على صدق قول أ.د محمد المنصف المرزوقي حين كان رئيسا للجمهورية ومفاده "لا تثقوا في الدولة" وهي نصيحة من "أعلى هرم الدولة" للمواطنين في شكل اعتراف صادق من مطلع على خفايا الامور.
ومنذ أمد بعيد فإن جل من يتولى مسؤولية في وزارة الشؤون الثقافية يصبح حاكما بأمره في دائرة صلاحياته ويكوًن حوله بطانة وحزاما وهذه ظاهرة متفشية في مختلف هياكل الدولة عموما. ولكن القطاع الموسيقى ينفرد في هذا المجال ويتميز عن غيره اذ أن كل من يتولى ادارة فرقة وطنية موسيقية مهما كان نوعها مثلا يصبح يتصرف كصاحب الفصل في الأمور والفضل على خلق الله وسلطانا في مملكته وكأنه "قسام الارزاق" وترى حتى أفراد عائلته واقاربه واصدقاءه وكل من تربطه به علاقة ود وعطف أو من له به صلة رحم أو مصاهرة فضلا على المصالح المشتركة والمشاريع يستحوذون على تلك الفرقة وتراهم بقدرة قادر يرتقون قيمة وقدرا وسبحان الرزاق المنان !
وكلما يتغير مدير إدارة إلا ويتغير رواد اروقتها ومكاتبها وتتغير الاولويات والتوجهات والاجتهادات وهذا بديهي اذ ان الوزارة برمتها تتغير بتغير الوزير. وسيظل الأمر على ما هو طالما ليس للدولة سياسة ولا استراتيجية في المجال.
حسب آخر تقديرات المعهد الوطني للاحصاء فإن وزارة الشؤون الثقافية تشغل ثمانية الاف موظف
يعملون بالادارات المركزية والمؤسسات التابعة للوزارة وغيرها من الهياكل والمندوبيات الجهوية ودور الثقافة والمتاحف والمعاهد ومراكز الفنون الدرامية.... ولكن، هل من تقييم أو تقدير لمردودهم؟  وهل هناك تقييم ومتابعة لما تضخه الوزارة من اموال "لدعم التشجيع على الانتاج"؟ ويبقى السؤال الأهم: ماهو جدوى عمل هذه الوزارة في تثقيف "المجتمع" والناشئة وفي "حماية التراث وتثمينه واحيائه"؟ وما هو مردود دور الثقافة في الجهات والمدن وفيما يتمثل "تعويل الدولة على الثقافة لمقاومة الارهاب" وكيف تجسد؟
وزارة الشؤون الثقافية تنظم مهرجانات وتظاهرات وايام فنية وادبية دولية ومحلية وتنفق بهذه المناسبات المال الوفير الذي يسترزق منه عديد الاطراف -من حلالك وحرامك- وتستقطب اهتمام وسائل الاعلام وتسلط عليها الأضواء حتى صار الاهم في عملها وبالتالي صارت وزارة التظاهرات والمهرجانات وعرضيا تعنى بالثقافة. فلسائل أن يتسائل ماهي نسبة الاموال المرصودة للعمل الثقافي الحقيقي من ميزانية الوزارة الجملية؟ وهذا سؤال يفرض نفسه طالما لانرى فاعلية حقيقية لعمل الدولة في المجال الثقافي ولا جدوى بدليل انه منذ اعلنت تلك الحكومة نيتها التعويل على الثقافة لمقاومة الارهاب زاد العنف والترهيب و"الهمجية" في كل مكونات المجتمع التونسية بدءا بالسياسية منها حتى صار التساؤل حول معنى وجود وزارة الشؤون الثقافية مشروعا.
وامام هذا الواقع المرير ووزارة الشؤون الثقافية فقيرة الموارد وبلا رؤية ولا سياسة ولا مردودية وامام طريقة تمكن  "الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ" -مع حفظ المقامات- منذ عشرات السنين من نهش موارد مختلف "صناديقها" وميزانيتها الهزيلة وفي غياب المحاسبة والمراقبة الجادة والفاعلة والملموسة ونظرا لكون رئيس الجمهورية منهمك في التصدي الى "الخطر الجاثم" على الدولة وفي تجسيد مشاريعه السياسية والدستورية للجمهورية المستقبلية المرتقبة وفي البحث عن السبل لسد الثغرات في ميزانية الدولة فالاكيد والمتأكد أن "وضع الثقافة في قلب المشروع" لن يرى النور في تونس حتى لو صارت "المدينة الفاضلة" خاصة وأن اكثر الذين يحكمون هذه البلاد من الذين قال فيهم تعالى "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون". صدق الله العظيم!

التعليقات

علِّق