تونس و العزلة الدولية : أبناؤها المنسيون قادرون على اخراجها منها

تونس و العزلة الدولية : أبناؤها المنسيون قادرون على اخراجها منها

 

لوقت غير بعيد كانت لتونس ثروة كبيرة تحسدها عليها بقية الشعوب المتقاربة معنا اقتصاديا و اجتماعيا. هذه الثروة لم تكن نفطا و صناعة و لا أموالا من العملة الاجنبية انما ثروة اسمها تونس حيث تصرف هذه العملة في كل دول العالم فالتونسيون كان مرحّب بهم أينما حلّوا و كانوا يشتغلون في أكبر الشركات ومؤسسات البحث و كان الخبراء التونسيون متواجدون كمستشارين سياسيين و اقتصاديين .

وكانت الديبلوماسية التونسية الهادئة التي قادها رجل حقيقيون للدولة (نذكر منهم وزراء للخارجية مثل حسان بلخوجة و الباجي قائد السبسي و الحبيب بولعراس و الحبيب بن يحي وكمال مرجان ) سندا حقيقيا للجالية التونسية في مختلف دول العالم و صنعوا من صورة تونس ثروة حقيقية انعكست ايجابا على الاقتصاد التونسي الذي بدأ ينافس في وقت ما أقوى الاقتصادات الناشئة .وقد لعب ديوان التونسيين بالخارج و مختلف السفارات دورا مهما في خلق هذه الثروة من خلال احتضان الجالية التونسية و خاصة رجال الاعمال منهم و رجال الاقتصاد حيث لعب هؤلاء دور السفراء الحقيقيين لتونس و نسجوا علاقات متميزة مع الجهات المانحة و المقرضة وكان لهم الدور الحاسم في فرض اسم تونس في الاسواق الخارجية.

وكان يمكن تطوير هذه السياسة لكن الانتكاسة بدأت مع وزير الخارجية في عهد الترويكا رفيق بوشلاكة حيث أدخل تونس لأول مرة في تاريخها في سياسة المحاور و خرجت من الديبلوماسية الهادئة و المتعاملة مع جميع الدول الى الاصطفاف الساذج مع دول بعينها و معاداة أخرى .كما بدأ في عهده السعيد التعامل بمكيالين مع الجالية التونسية وفق الولاءات فتم تعيين سفراء و كبار موظفين في سفاراتنا بالخارج لا يمتلكون أية خبرة وولائهم للجماعة و لحزبهم أكبر من ولائهم للوطن.وتم التعامل مع الجالية التونسية كخزان انتخابي واقصاء أي دور لهم في سن مستقبل بلادهم بالتوازي مع توافد عشرات الالاف من المهاجرين السريين وفيهم المتطرفين و المجرمين و الارهابيين فأساؤوا لصورة تونس ولوثوا اسمها في الوحل بأعمالهم الاجرامية و الارهابية على أراضي الدول التي آواتهم . 

وكنا نتصور أن مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021 مع الرئيس قيس سعيد ستعمل على استعادة صورة تونس المفقودة و ستخرج البلد من مستنقع المحاور لتعود للعب دورها الديبلوماسي المعهود .كما كنا نتصور أن الرئيس سعيد سيعيد للجالية اعتبارها و يعتمد عليها لإنجاح البلد بعد الاخوان .ولكن العكس هو ما حصل حيث نجح الرئيس في اخراج تونس من كل المحاور ولكن برفضه الحوار مع الداخل و الخارج أدخلها في عزلة دولية غير مسبوقة رغم ترحيب اغلب الدول بقراراته التي اتخذها .ترحيب لم يدم سوى أيام خسرت بعدها تونس ثروتها كاملة و المؤسف أنها تحوّلت من فاعل في الساحة الدولية الى مبني للمجهول لا تتعامل معه المؤسسات الدولية المقرضة و لم يعد دول صديقة تمنح أو تقرض بشروط ميسّرة .

ومازاد الامر تعقيدا هو تغييب الرئيس للجالية التونسية بالخارج حيث لم يذكرها يوما في خطاباته و لم يمدّ يديه لها لتعينه على انجاح مسار 25جويلية وهي أصلا ليست في مجال اهتماماته .

و اليوم بعد فشل كل الحلول ومع تفاقم العزلة لم يعد أمام تونس سوى الاعتماد على أبنائها في الخارج أولا لإخراجها من أزمتها الاقتصادية الخانقة و ثانيا لإعادتها للمجموعة الدولية في صورة جديدة أفضل من كل الصور السابقة.

كيف ذلك؟

منذ تفشي وباء كورونا وتراجع عائدات السياحة الممول الرئيسي للخزينة العامة بالعملة الصعبة أصبحت تحويلات التونسيين بالخارج الممول الاول للمالية العمومية حيث أظهرت اخر بيانات البنك المركزي التونسي ارتفاع هذه التحويلات في سنة 2021 لتبلغ 70254 مليار دينار بواقع 28بالمائة عن سنة 2020 التي بلغت فيه التحويلات 5.875مليار دينار.

غير أن هذه الاموال ورغم مرورها بالبنك المركزي و مختلف البنوك الا أن الاستفادة منها على المستوى الاقتصادي الرسمي و الاستثمار ليست في مستوى التطلعات حيث توجه للاستهلاك العائلي في أغلبها وهذا ما يقتضي اجراءات خاصة في كيفية الاستفادة من هذه الأموال بمنح تشجيعات وحوافز للباعثين و المستقبلين .

لكن ما نلاحظه وكما قلنا في مقالات سابقة أن التونسيين بالخارج هم ثروة مهدورة لم يتم استغلالها الاستغلال الامثل و الدولة اليوم و خاصة الحكومة و البنك المركزي محمول عليهم اتخاذ اجراءات ثورية و غير مسبوقة تقطع مع التعامل السلبي مع هذه التحويلات و سن قوانين مالية مواكبة للعصر حيث لا يختلف اثنان أن قانون التحويلات في الاتجاهين متخلف جدا.

وسنأخذ عن ذلك مثالين اثنين:

أولهما:

البيروقراطية التي تكبّل التحويلات البنكية للمقيمين بالخارج حيث تخضع هذه التحويلات لقوانين أغلبها مجاني ولا علاقة له بالقوانين المجابهة لتبييض الأموال اذ يقابل هذه البيروقراطية تساهل غير مفهوم لتحويلات ضخمة تستفاد منها الجمعيات و لا يستفاد منها الاقتصاد التونسي و المطلوب تشجيع المقيمين بالخارج و خاصة الميسورين منهم على فتح حسابات بنكية بتونس و تسهيل اجراءات تحويل الأموال فيها سواء للاستثمار أو حتى للاستهلاك ثم لابد من تشجيع هؤلاء على التوريد و التخفيف من الاجراءات القمرقية .

ثانيهما:

تطوير قانون التحويلات البنكية من الخارج و الترخيص لاقتناء عدد من البطاقات البنكية العالمية التي تضمن انسياب التحويلات لمقدمي الخدمات من الشباب التونسيين المتعاملين مع شركات أجنبية و الذي يضيّعون يوميا عشرات الالاف من الدنانير وما يقابلها من عملة أجنبية وقد تم حجز كثير من الاموال لهم من قبل البنك المركزي ووجهت لهم بغسيل الاموال وهم منها براء .فقط لأنه لايوجد قانون ينظّم هذه الخدمات.

اننا اليوم في تونس بحاجة الى الحد الأدنى من المرونة البنكية من أجل انعاش الخزينة العامة بالحد الاقصى من العملة الصعبة و التي بإمكانها انقاذ المالية العمومية في ظل التراجع الرهيب لمنسوب الاستثمار .

ومؤكد أن هذه التحويلات بإمكانها أن تتضاعف اذا ما نظرنا الى المقيمين بالخارج على أنهم ثروة لابد من استغلالها بما سلف من مقترحات.وقد تأكد ذلك في أزمة كورونا وذروة الازمة الصحية حيث قدمت الجالية التونسية مساعدات ضخمة بصفة تلقائية و بمبادرات فردية في أغلبها ما ساهم في تحسّن الوضعية و ساهم في انجاح مسار 25جويلية الذي استفاد كثيرا من هذه المساعدات حيث يحسب للرئيس سعيد أنه نجح في انقاذ تونس من مأساة بسبب الكورونا.لكن كان للجالية التونسية بالخارج الدور الكبير في هذا الانجاز.

ريم بالخذيري.تونسية مقيمة بسويسرا

التعليقات

علِّق