تفاقم ظاهرة الهجرة السرية في المتوسط ... ما الحل؟

تفاقم ظاهرة الهجرة السرية في المتوسط ... ما الحل؟

 

من يعتقد أن الهجرة السرية ستتوقف فهو خاطئ. فالأرقام التي توفرها منظمة الأمم المتحدة والمتعلقة بالهجرة في العالم تؤكد أن عدد المهاجرين بلغ 281 مليون شخصا سنة 2021 مفيدة في السياق ذاته أن هذا العدد في ازدياد مطرد إذ أنه كان في حدود 230 مليون نسمة سنة 2010 و153 مليون سنة 1990.

لم أر قط بلدا تمكن من تغيير جيرانه. الدعابة هي للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الذي استخدمها يوما للتأكيد على أن فرنسا مجبرة عند بناء خياراتها على أن تأخذ في الاعتبار وجود جيران لها وعلى ضرورة أن تعمل معهم على تطوير علاقات طيبة.

الملاحظة نفسها يجوز استخدامها اليوم بالنسبة إلى الموقع الجغرافي لبلادنا وما يفرضه عليها هذا الموقع من إيجابيات وسلبيات. ومن بينها بالطبع أن هذا الموقع جعل منها دوما وعلى مرور العصور منطقة لقاء وعبور لألاف الأشخاص الذين جاء البعض منهم من أصقاع بعيدة.

المسألة هذه نذكر بها اليوم في ظل التدفق الذي نعيشه من قبل مواطنين من جنوب الصحراء الإفريقية   والذي ما أنفك يحدث جدلا في صفوف الرأي العام. والحال أن هؤلاء يصلون تونس عبر حدود بلدان البعض منها مفتوحة وغير مراقبة كليا فضلا على أنها موجودة في مناطق لا يعرف متساكنيها طعم الاستقرار.

يكفي هنا أن نلقي نظرة ولو سريعة على الموقع الجغرافي لبلادنا لنفهم أن الوصول إلينا يمر عبر حدود تجمعنا مع بعض جيراننا الذين يعانون بدورهم من المخاطر المتأتية من نفس الظواهر. فهذه الحدود تشكل أحيانا ممرا أمنا للسلع المهربة والمخدرات والأسلحة وكذلك للمهاجرين السريين.

مهاجرون يغامرون بحياتهم

علما كذلك أن بعض العوامل شجعت منذ سنوات على تفاقم ظواهر خطيرة مثل التهريب بمختلف أنواعه والهجرة السرية والتي يتسبب في جانب منها على الأقل بالطبع التسحر وشح المياه وكذلك النزاعات المسلحة وبروز العصابات الإجرامية. وهي ظواهر عمقتها جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية التي ظهرت مع الحرب الروسية الأوكرانية التي تطغى إلى يومنا هذا على الأحداث في العالم.

وتدل عديد البيانات على أن عناصر أخرى ساهمت في بلورة واقع جديد على غرار التضخم المالي وانخفاض نسق المبادلات التجارية وافلاس بعض المؤسسات وكذلك ارتفاع نسب الفائدة التي لا تشجع بالمرة على بعث الاستثمارات.

وتبين الأرقام التي توفرها منظمة الأمم المتحدة والمتعلقة بالهجرة في العالم أن عدد المهاجرين بلغ 281 مليون شخصا سنة 2021 مفيدة في السياق ذاته أن هذا العدد في ازدياد مطرد إذ أنه كان في حدود 230 مليون نسمة سنة 2010 و153 مليون سنة 1990. كما تبين أن عددا من هؤلاء أجبروا على الهجرة بسبب الحروب والكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والجفاف و ما لف لفهم وأن نسبة هؤلاء بلغت سنة 2021 ما يقارب 90%   من مجمل المهاجرين و فاقت نسبة ازديادهم  8 في المائة من سنة إلى أخرى.

الشيء الذي يعني أن الاعتقاد الحاصل لدى البعض بأنه يمكن التحكم بسهولة في ظاهرة الهجرة السرية يعتبر مستحيلا خاصة وأن جانبا من هؤلاء يؤمنون بأن ليس لديهم خيارات أخرى دون تلك المتمثلة في مغادرة أوطانهم وأنهم من هذه الزاوية قبلوا المغامرة بحياتهم ويقبلون على كل المخاطر بما في ذلك الموت. وهو ما يلاحظه القاصي والداني اليوم من خلال هذه السفن المكتظة بالمهاجرين والتي نعتها البعض ب "سفن الموت" في المتوسط.

إيجاد حلول سياسية وإنسانية

كما يتبين أن الحل الأمني لا يكفي لتجاوز ظاهرة الهجرة السرية في ظل عوامل كثيرة من بينها حساسية هذه الظاهرة التي عادة ما تتجند لفائدتها منظمات إنسانية وحقوقية مؤثرة تقوم بالتحرك بقوة في عديد المنابر لتثني الدول على التمادي في سياستها ومن بين هذه المنابر المدوية الأوساط القضائية المحلية والدولية مبرزة الضرر الذي يحصل في مجال حقوق الانسان.

خاصة و أن الحل الأمني يصاحب أحيانا باستعمال العنف والمس من كرامة البشر وهو الشيء الذي يتم عادة التشهير والتنديد به و هو الذي كثيرا ما يجد أذانا صائغة لدى عديد الأطراف و من بينها الصحافة الدولية. وقد حصل أن بعض الدول تقرر العدول عن بعض الممارسات المستخدمة أمام وقع الحملات التي تطلق ضدها. فقد توقفت الدولة الفرنسية مؤخرا عن مواصلة حملة أطلقتها ضد المهاجرين الذين أتوا من دولة الكومور المجاورة لجزيرة مايويت وهي مقاطعة فرنسية قرر سكانها سنة 1974 عدم قبول الاستقلال عن فرنسا.

فما العمل؟ المسألة معقدة وتتطلب حسب عديد الخبراء إيجاد حلول سياسية وإنسانية خاصة وأن الظاهرة لن تتوقف ما دام العالم ماض في جملة من الخيارات السياسية والاقتصادية أصبحت لا تجدي نفعا. فجانب من الحل يتمثل في إعادة النظر في سياسات التعاون وتجسيم بعض الوعود بالعمل على إلحاق دول الجنوب بركب التنمية. فعلى سبيل المثال لعله حان الوقت اليوم لكي تنفذ دول الاتحاد الأوروبي الوعود التي قطعتها ذات يوم في قمة برشلونة سنة 1995 من أجل "رقي مشترك" بين دول الشمال والجنوب.

محمد قنطاره

التعليقات

علِّق