تعيين بودنّ رئيسة للحكومة : تفاؤل هنا وتشاؤم هناك وهذا هو المطلوب اليوم من كافة الأطراف

تعيين بودنّ رئيسة للحكومة : تفاؤل هنا وتشاؤم هناك وهذا  هو المطلوب اليوم من كافة الأطراف

منذ أن تم الإعلان عن تكليف السيدة نجلاء  بودنّ بتشكيل حكومة جديدة تكون هي رئيستها انقسم التونسيون ( وأقصد هنا المتابعين للشأن العام في البلاد ) تقريبا إلى نصفين : نصف متفائل خاصة  أنه لأول مرة يتم تعيين امرأة على رأس الحكومة وقسم متشائم بدعوى أنها " لن تقدر على تسيير البلاد في ظلّ التحديات الكبرى والوضع الدقيق جدا الذي تمرّ به منذ مدة ".

ودون الدخول في تفاصيل هذا الجدال الذي انطلق أمس وأظن أنه لن ينتهي أبدا دعونا ندلي ببعض الملاحظات لعلّ أهمّها "

* إن تعيين امرأة على رأس الحكومة ليس هدفا منطقيا ( لمجرّد أنها امرأة ) وليس مطلبا لأغلب المتابعين الذين لا يرون فرقا بين تعيين رجل أو امرأة طالما أن أحدهما سيكون قادرا على العمل والنجاح ( ولو  نسبيّا ) في ظل الوضع الاستثنائي  والصعب جدا الذي تعيشه البلاد.

* إن المتفائلين لم يبحثوا في عمق المهمّة التي أوكلت لهذه المرأة لأنهم رأوا فيها " انتصارا " للمرأة وهنا لا بدّ من التذكير بأننا لسنا في " حرب " بين الرجل والمرأة إلا في أذهان البعض من هذا الصف أو ذاك . وأعتقد أن على هؤلاء أن يطرحوا السؤال التالي : هل ستكون قادرة على تسيير فريق حكومي يستطيع إخراج البلاد من عنق الزجاجة خاصة من الناحية الاقتصادية المرتبطة عضويّا بالمسألة السياسية؟. بمعنى آخر هل تملك القدرة على التسيير وهل تملك علاقات دولية خاصة مع الجهات المالية والاقتصادية الدولية تمكّنها من توظيف ذلك لفائدة تونس في وضع صعب إلى أبعد الحدود؟.

* إن المتشائمين ينطلقون من " أفكار " بعضها مسقط وربما سابق لأوانه وبعضهم يرفض لمجرّد الرفض . كما أنّهم يرون أن المرحلة كانت تقتضي تعيين خبير اقتصادي له دراية كبيرة بأدق تفاصيل الوضع المالي والاقتصادي في البلاد وله علاقات دولية واسعة يستطيع استغلالها لمصلحة تونس خاصة أن الوقت لم يعد يسمح بالمزيد من الانتظار.

ما المطلوب الآن ؟

إن تونس تمرّ بمرحلة دقيقة جدا تهدد كيانها وقد زادت الطبقة السياسية الأنانية في تعقيد الأوضاع . واليوم مطلوب من الجميع أن يتركوا السيدة بودنّ تعمل والابتعاد عن وضع العصا في العجلة لأي سبب كان . المطلوب من الجميع أن يقدّموا يد المساعدة لها ولفريقها الحكومي مهما كانت المدة التي  ستقضيها على رأس الحكومة . وبالمنطق لا يمكن أن نضع لها سقف انتظارات ومطالب مرتفعا  جدّا . فهي تسلّمت  المهمّة في فترة استثنائية وأعتقد أن أولويتها اليوم وقبل كل شيء إخراج البلاد من النفق وإعادة الأمل لأبناء الشعب  اليائس وإعادة الثقة في بلادنا من قبل شركائنا في الخارج وكافة الأطراف التي نتعامل معها .  بالإضافة طبعا إلى العمل على مقاومة الفساد بكافة أشكاله لأنه حسب رأيي سبب الدمار الذي أصاب البلاد خلال السنوات العشر الماضية .

أما المطلوب منها هي فهو أن تكون صارمة وجديّة في تنفيذ خطّة واضحة تهدف إلى الإنقاذ في أسرع وقت ممكن . مطلوب منها أن تستعين بالكفاءات الحقيقية ( وأعيد القول مرة أخرى ليس بالمشعوذين الذين يدّعون أنهم خبراء وأغلبهم أوصلنا إلى هذا الخراب ) الخبيرة حقّا في ميادينها لمصلحة تونس ولا شيء غير مصلحة تونس. مطلوب منها أن تركّز على أهم محاور الإنقاذ لأنها لو فكّرت في كل شيء في نفس الوقت فإن جهودها والفريق الذي ستختار سيتشتّت ولن تقدر على فعل أي شيء . المطلوب منها أن تركّز على 3 أو 4 جوانب ذات أولويّة وتتعلّق بالمسائل الاقتصادية ( غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار والتهريب والمضاربة والاحتكار ... إلخ ) والمسائل الاجتماعية   من خلال إجراءات يلمسها المواطن العادي بسرعة في حياته اليومية  وتعيد إليه الأمل في غد قد يكون أحسن وأفضل.

أما الصراعات السياسية فليست في الوقت الحاضر من مشمولاتها . هي عليها أن تعمل . أما السياسيون فليتصارعوا بعيدا عنها إذا كانوا فعلا يريدون الخير لهذه البلاد.

جمال المالكي

 

التعليقات

علِّق